الآيات القرآنية في عدالة الصحابة: (إن الذين آمنوا والذين هاجروا)

الآيات القرآنية على العدالة

قال تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [البقرة: 218].
تفيد هذه الآية: إن الذين صدقوا بالله وبرسوله وبما جاء به هجروا مساكنة المشركين في أمصارهم ومجاورتهم في ديارهم فاستجابوا لنداء الهجرة وتحولوا عنهم وعن جوارهم فارين بدينهم وإيمانهم كراهة منهم النزول بين أظهر المشركين وفي سلطانهم ومن ثم حاربوهم في دين الله ليدخلوهم فيه وفيما يرضي الله، وقد بذلوا الغالي والنفيس، والأرواح والمهج؛ من أجل ذلك، أولئك يرجون رحمة الله ويطمعون في فضله.
وهذا الوصف بلا شك (ينطبق انطباقاً كاملاً على المهاجرين المجاهدين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنهم آمنوا بالله ورسوله إيماناً راسخاً، وتحملوا الأذى العظيم في سبيل ذلك الإيمان من مشركي مكة ثم أنهم استجابوا لنداء نبيهم بالهجرة من مكة إلى يثرب وتركوا أهليهم وأموالهم ومصالح دنياهم، مع كل ذلك فإخلاصهم العميق لربهم ونبيهم ودينهم لم يدفعهم إلى الاتكال على ما صنعوا، وإنما كانوا يرجون رحمة ربهم أذلاء خاشعين، يحاولون بكل الطرق نصرة دينهم، وتقديم أموالهم ودمائهم في سبيل الله، علهم ينالوا الفوز بالجنة التي وعدهم الله تعالى إياها) .
قال قتادة: (أثنى الله على أصحاب نبيه أحسن الثناء فقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [البقرة: 218] هؤلاء خيار هذه الأمة ثم جعلهم الله أهل رجاء كما تسمعون وأنه من رجا طلب، ومن خاف هرب) .
والناظر في سبب نزول هذه الآية الكريمة لا يمكن له البتة أن يصرف المراد منها إلا إلى المهاجرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت عند المفسرين وأهل السير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أرسل سرية عدتها ثمانية رجال كلهم من المهاجرين يرأسها عبد الله بن جحش وأعطاها كتاباً مختوماً لا يفضه إلا بعد أن يسير يومين ثم ينظر فيه، فسار عبد الله يومين ثم فتح الكتاب فإذا فيه: (إذا نظرت كتابي هذا فامض حتى تنزل نخلة فترصد بها قريشاً وتعلم لنا من أخبارهم)، فسار القوم حتى وصلوا إلى نخلة فمرت بهم عير قرشية تريد مكة فيها عمرو بن الحضرمي وآخرون فأجمع المسلمون أمرهم على أن يحملوا عليهم ويأخذوا ما معهم، فحملوا عليهم في آخر يوم من رجب فقتلوا عمرو بن الحضرمي وأسروا رجلين واستاقوا العير ورجعوا به إلى المدينة، فلما قدموها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام)) فوقف العير والأسيرين، وأبى أن يأخذ من ذلك شيئاً؛ فلما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، سقط في أيدي القوم، وظنوا أنهم قد هلكوا، وعنفهم إخوانهم من المسلمين، وقالت قريش: قد استعمل محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدم، وأخذوا فيه الأموال، وأسروا فيه الرجال، فلما أكثر الناس في ذلك أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ [البقرة: 217]. فلما نزل القرآن بهذا وفرج الله عن المسلمين ما كانوا فيه من الخوف وتجلى عن عبد الله بن جحش وأصحابه ما كانوا فيه طمعوا في الأجر – وقد كان المسلمون يقولون لهم إن لم يكن عليكم في ذلك وزر، فليس لكم فيه أجر – فقالوا: يا رسول الله أنطمع أن تكون لنا غزوة نعطى فيها أجر المجاهدين؟ فأنزل الله جل جلاله فيهم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ الآية .
مما تقدم يتبين لنا وجه الدلالة من الآية: وهو أن الله عز وجل شهد للمهاجرين والمجاهدين من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدق نياتهم، وطهارة بواطنهم، وأنهم كانوا يرجون رحمة الله لأفعالهم وهذا دليل إخلاصهم، ومن شهد له الله سبحانه وتعالى بذلك، وأثنى عليه قلنا بعدالته.

المصادر:

ينظر: في سبب الآية إضافة إلى مصادر التفسير السابقة:

((تفسير الطبري))، (2/356).

((سيرة ابن هشام)) (2/290-292)،

((الفتح الرباني ترتيب مسند أحمد)) (21/25-26)،

((المصنف)) لابن أبي شيبة (14/351-352)،

((السنن الكبرى)) للبيهقي (9/11-12).