الآيات القرآنية على عدالة الصحابة: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)

قال تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) [الفتح: 18].

قال تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) [الفتح: 18].
والمؤمنون المقصودون هنا، الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة في الحديبية من المهاجرين والأنصار؛ فقد أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان رضي الله عنه مبعوثاً من عنده إلى قريش ليتفاوض معهم بشأن عمرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه، فاحتبس عثمان في مكة وطال حبسه حتى شاع بين المسلمين أن عثمان قتل ؛ فقال عليه الصلاة والسلام: لا نبرح حتى نناجز القوم ثم دعا أصحابه إلى البيعة تحت شجرة سمرة فبايعوه جميعاً سوى الجد بن قيس اختبأ تحت بطن بعيره ؛ وكان عددهم بين الألف وأربعمائة والألف وخمسمائة.
قال جابر: (كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة فبايعناه، وعمر آخذ بيده الشجرة) . وفي رواية (كنا ألفاً وخمسمائة) وكانت البيعة على مناجزة قريش الحرب وأن لا يفروا أو يموتوا دون ذلك.
والآية قد دلت على عدالة الصحابة من وجوه.
الأول: قوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ ومن المعلوم بداهة أن من رضي الله عنه لا يمكن موته على الكفر، لأن العبرة في حصول الرضى إنما هو بالموت على الإسلام، ولا يمكن أن يقع الرضى منه تعالى إلا على من علم موته على الإسلام؛ وأما من علم موته على الكفر والردة فلا يمكن أن يخبر الله تعالى بأنه قد رضي عنه، فبرئوا بذلك عن وصمة الردة .
ولأن قوله تعالى: رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ يتناول جميع الأحوال والأوقات ولا يمكن أن يقال أنه خاص بوقت دون آخر أو بحال دون غيره؛ وقد تبين أن الله تعالى وصفهم بكونهم سابقين في الهجرة والنصرة ثم لما وصفهم بهذا الوصف أتى لهم بما يوجب التعظيم وهو قوله: رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ معلل بكونهم سابقين في الهجرة والنصرة، والعلة ما دامت موجودة، وجب ترتيب المعلول عليها، وكونهم سابقين في الهجرة والنصرة وصف دائم في جميع مدة وجودهم، فوجب أن يكون ذلك الرضوان حاصلاً في جميع مدة وجودهم.
ولأنه تعالى قال: وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ، وذلك يقتضي أنه تعالى قد أعد تلك الجنات وعينها لهم، وذلك يقتضي بقاءهم على تلك الصفة التي لأجلها صاروا مستحقين لتلك الجنات، وليس لأحد أن يقول: المراد أنه تعالى أعدها لهم لو بقوا على صفة الإيمان، لأنا نقول: هذا زيادة إضمار وهو خلاف الظاهر، وأيضاً فعلى ذلك التقدير: لا يبقى بين هؤلاء المذكورين في هذا المدح، وبين سائر الفرق فرق، لأنه تعالى قال: وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ ولفرعون وهامان وأبي جهل لو صاروا مؤمنين، ومعلوم أنه تعالى إنما ذكر هذا الكلام في معرض المدح العظيم والثناء الكامل، وحمله على ما ذكروه يوجب بطلان هذا المدح والثناء، فسقط هذا السؤال وظهر أن هذه الآية دالة على فضل الصحابة الكرام .
الثاني: أنه تعالى قد أخبر عن صدق بواطن الصحابة وسلامة ضمائرهم بقوله: فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ، أي من الصدق والوفاء والإخلاص والسمع والطاعة فبرئوا بذلك من وصمة النفاق.
الثالث: أنه تعالى كافأهم على صدقهم جائزة هي إنزال السكينة عليهم ومن ثم أثابهم فتحاً قريباً جزاء من عنده عطاء حساباً.

المصادر:
رواه مسلم (1856) من حديث أبي الزبير محمد بن مسلم المكي.
رواه مسلم (1856). من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
ينظر: ((تفسير الطبري)) (22/223).