المعاني المقصودة من جمع القرآن الكريم.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

يطلق جمع القرآن الكريم ويراد به أحد ثلاثة معان:-
الأول: جمعه بمعنى حفظه في الصدور.
الثاني: جمعه بمعنى كتابته وتدوينه.
الثالث: جمعه بمعنى تسجيله تسجيلاً صوتياً.
ولكل نوع من هذه الأنواع الثلاثة تأريخ وخصائص ومزايا.
أما جمعه بمعنى حفظه فدليله قوله تعالى ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ﴾﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾ (القيامة: ١٦-١٧). أي جمعه في صدرك كما قال ابن عباس رضي الله عنهما. (١)
وحفظ القرآن كله واجب على الأمة بحيث يحفظه عدد كثير يثبت به التواتر وإلا أثمت الأمة كلها.
ولم يترك الرسول ﷺ أمراً فيه حث على حفظ القرآن الكريم إلا أمر به، فكان يفاضل بين أصحابه بحفظ القرآن، ويعقد الراية لأكثرهم حفظاً للقرآن، وإذا بعث بعثاً جعل إمامهم في صلاتهم أكثرهم قراءة للقرآن، ويؤم القوم أحفظهم لكتاب الله، ويقدم للحد في القبر أكثرهم أخذاً للقرآن، فضلاً عن كثرة الأحاديث الداعية لحفظ القرآن الكريم.
وحفظ الرسول ﷺ القرآن وحفظه الصحابة رضي الله عنهم وتنافسوا في حفظه، وتلاوته، وتدبره، ومدارسته، وتفسيره، والعمل به، وكانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، وكانوا يهجرون لذيذ المنام، ودفء الفراش، ويؤثرون قيام الليل والتهجد بالقرآن حتى كان يسمع لهم دوىٌ كدوي النحل لتلاوتهم القرآن.
وحفظه من بعدهم التابعون ومن تبعهم وما زالت المسيرة والحمد لله مستمرة فأنشئت مدارس وجماعات لتحفيظ القرآن الكريم وأقيمت المسابقات المحلية والدولية، ورصدت الجوائز والمكافآت وحفظ القرآن – بحمد الله وفضله – الآلاف من المسلمين كاملاً.

_________
(١) البخاري ج١، ص٤، ومسلم ج١، ص٣٣٠.