تعليم النبيّ صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها

الحمد لله، وبعد: 

فمما لا شَكَّ فيه أن المعلِّم الأول والأخير لبناتِ النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – ومُربيهن هو والدُهن – صلى الله عليه وسلم -، فقد أخذن منه ومِن خديجة أحسنَ تربية، قبل النبوة وبعدَها، فصلاتُهن، وحجُّهن، وأذكارُهن، وتلاوتُهن للقرآن، وسائر عبادتهن، وجميع محاسن الأخلاق أخذنها مباشرةً مِن والدهن – صلى الله عليه وسلم -، فسواء صحَّت الأحاديث المروية ـ على قِلَّتِها ـ أو لم تصِحَّ، فإنَّ مَصدَر عِلْمِهِنَّ هو والدهنَّ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم -، وقد تميَّزَتْ فاطمةُ عن أخواتها بملازمة والدِها – صلى الله عليه وسلم – إلى وفاتِه، وذهابِه معه عام الفتح، وفي حجة الوداع، وقُربِ مَسكَنِها من بيت عائشة – رضي الله عنهما -.

قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (سورة آل عمران، آية (١٦٤) (.

وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (سورة الجمعة، آية (٢)).

ولا شَكَّ أنَّ بنَاتِ النبيِّ – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – وأزواجَه أولَى الناس استفادةً مِن تَعليمِه وتزكيتِه، وكان بهنَّ حريصاً شفيقاً، وبأمَّتِه أجمعين.

عن عَلِيِّ بن أبي طالب، أَنَّ فَاطِمَةَ – رضي الله عنهما – أَتَتِ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – تَشْكُو إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدِهَا مِنَ الرَّحَى، وَبَلَغَهَا أَنَّهُ جَاءَهُ رَقِيقٌ، فَلَمْ تُصَادِفْهُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ، فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ، قَالَ: فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْنَا نَقُومُ، فَقَالَ: «عَلَى مَكَانِكُمَا»، فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي، فَقَالَ: «أَلا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَا؟ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا ــ أَوْ أَوَيْتُمَا إِلَى فِرَاشِكُمَا ــ فَسَبِّحَا ثَلَاثَاً وَثَلَاثِينَ، وَاحْمَدَا ثَلَاثَاً وَثَلَاثِينَ، وَكَبِّرَا أَرْبَعَاً وَثَلَاثِينَ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ».

أخرجه: البخاري ومسلم.

وفي رواية عند أبي داوود في «سننه» أنه قال لها: «اتَّقِي اللَّهَ يا فاطمة، وأدِّي فريضة ربك، واعمَلي عمَل أهلِكِ، فإذا أخذتِ مضجَعَكِ فسبِّحي ثلاثاً وثلاثين. الحديث.

وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: أتت فاطمةُ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – تسأله خادماً، فقال لها: «قولي: اللَّهم ربَّ السماوات وربَّ الأرض وربَّ العرش العظيم، ربَّنا وربَّ كلِّ شيءٍ، فالقَ الحبِّ والنَّوى، ومنزلَ التَوراةِ والإنجيلِ والفُرقَان، أعوذُ بِكَ من شرِّ كل شيء أنتَ آخِذٌ بناصيته، اللَّهم أنتَ الأوَّل فليس قبلَكَ شَيءٌ، وأنتَ الآخِر فليس بعدَكَ شيءٌ، وأنتَ الظاهر فليسَ فوقَكَ شيءٌ، وأنتَ الباطِنُ فلَيس دُونَكَ شيءٌ، اقضِ عنَّا الدَّين، وأَغْنِنَا مِن الفَقْرِ».

أخرجه: مسلم في «صحيحه».

وعن أمِّ سلمة – رضي الله عنها – قالت: جاءت فاطمة – رضي الله عنها – فقالت: يا رسُولَ اللهِ، واللهِ لقد مجلَتْ يدَاي من الرَّحى، أطحَنُ مرَّةً، وأعجِنُ مرَّة .. الحديث، وفي آخره قال – صلى الله عليه وسلم – لها: وإذا صلَّيتِ صلاةَ الصبح، فقُولي: لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ، يحيي ويميت، بيده الخير، وهو على كل شيء قدير. عشر مرات بعد صلاة الصبح، وعشر مرات بعد صلاة المغرب، فإن كل واحدة منهن تُكتب عشر حسنات، وتحطُّ عشر سيئات، وكل واحدة منهن كعتق رقبة من ولد إسماعيل، ولا يحل لذنب كسب ذلك اليوم أن يدركه إلا أن يكون الشرك، لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وهو حرسك، ما بين أن تقوليه غدوة إلى أن تقوليه عشية، من كل شيطان، ومن كل سوء».

أخرجه: أحمد في «مسنده»، وغيرُه، وفيه ضعف.

وللذكر الوارد المقيَّد بالفجر والمغرب شواهد كلُّها ضعيفة، وبعض العلماء يحسِّنُها بمجموعها ــ والله أعلم ــ.

وعن أنسِ بن مالك – رضي الله عنه – يقول: قال النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – لفاطمة – رضي الله عنها -: «ما يمنعك أن تسمعي ما أُوصيكِ به، أن تقولي إذا أصبحتِ وإذا أمسيتِ: يا حيُّ يا قيومُ برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كلَّه، ولا تَكِلْنِي إلى نفْسِي طَرْفَةَ عَيْن».

رواه النسائي في «الكبرى»، والراجح أنه ضعيف، وتحسينُه محتمل، وقد حسَّنه بعض العلماء.

والحمد لله ربّ العالمين