الأدلة العقلية على عدالة الصحابة: استزام فشل الدعوة بارتدادهم.

الأدلة العقلية على عدالة الصحابة: استزام فشل الدعوة بارتدادهم.

يتفق المسلمون على حقيقة قاطعة، هي أن الله تبارك وتعالى، أرسل رسوله بالهدى ودين الحق، وكان هذا الدين خاتم الأديان، وكان رسوله خاتم الأنبياء.
وأنه عليه الصلاة والسلام أدى الأمانة على أحسن وجه وأتمه، وبلغ الرسالة فما قصر، ونصح الأمة دون أن يبخل بنصح أو إرشاد، فبين لها الشريعة وأوضح لها الحجة، فنال بذلك رضي الله تبارك وتعالى.
ومما لا شك فيه، ولا ريب أن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم إبلاغ الرسالة، ونشر الدين وتعاليمه، وتعبيد الناس لربهم، وتحكيم القرآن الكريم، وإرشادهم إلى العمل بالإسلام كله دون تجزئته، أو تغليب جانب على آخر، بل لابد من الإحاطة به من جميع جوانبه.
وأن من مهام الرسول صلى الله عليه وسلم التي بعث من أجلها هي ما حكاه الله عز وجل في القرآن الكريم في قوله: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ [الجمعة: 2]، وقال تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ [آل عمران: 164].
فقوله تعالى: وَيُزَكِّيهِمْ حدد جزءاً من مهام النبي العظيم وهو التزكية وأحد مدلولات هذه اللفظة هو التربية والتطهير، أعني تربية من بعث فيهم على الفضيلة ومحاسن الأخلاق وتوجيههم إلى سلوك أحسن السبل وأقومها، وإرشادهم إلى الصالحات وتطهيرهم من الذنوب والرذائل وتنقيتهم من الأرجاس والأدناس ومما يشين عند الناس.
وقوله تعالى: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ جعل من الرسول صلى الله عليه وسلم معلماً لقومه كتاب الله تعالى وسنته عليه الصلاة والسلام وإرساء دعائمهما، وتوضيح سبيلهما، وبيان منهجهما، وشرح عقيدتهما.
ومن البديهي أنه لا فائدة أن يسمع الرجل الآية من القرآن الكريم فيهتز طرباً لبلاغتها، وتعجبه فصاحتها، فيأخذ سحر كلماتها، وينتهي الأمر عند هذا الحد، بل المراد هو أن يجني السماع ثمرة القرآن فيعمل بأحكامه ويقيم حدوده، ويأخذ تعاليمه.
فإذا وجد مثل هؤلاء القوم المدعوين فهذا يعني أن الداعي قد نجح في مهمته، وفاز في سعيه، وهذا ما يقول به القائلون بعدالة الصحابة رضي الله عنهم فأنهم بقولهم بالعدالة يصرحون بنجاح دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن تربيته أثمرت فقد ظهرت معجزة التأثير والهداية في حياته عليه الصلاة والسلام من خلال بروز نماذج إنسانية عملية تتحلى بالأخلاق وتتزين بالفضائل، وتبتعد ما أمكنها عن الرذائل وتتخلى عن المفاسد وتتصف بالمحاسن، على استقامة في دينهم، وإخلاص في عقيدتهم، يبلغون رسالات ربهم ولا يخافون لومة لائم، باذلين ما بوسعهم من أجل الإسلام.
أما الطاعنون بعدالة الصحابة القائلون بارتدادهم بعد وفاته إلا قليلاً، أو أنهم في حياته كانوا يظهرون ما لا يضمرون، فهذا يعني بلا شك فشل تلك الجهود العظيمة التي بذلها الرسول صلى الله عليه وسلم في وظائفه التربوية والتعليمية والتبليغية والدعوية.
وهذا ما يدعونا إلى التساؤل: (هل يعقل في حكم المنطق النظري القديم والحديث، والعقل الفطري المحسوس المركوز في بني الإنسان، ألا يستطيع الرسول -صلى الله عليه وسلم – وهو بهذا المقام الكريم، من العبودية الخالصة لخالقه الحكيم، وخلقه العظيم المتمثل لأوامر الله تعالى، ونواهيه في عالم الإمكان، أن يربي أقرب أصحابه الذين آمنوا به ونصروه، وأعزوا دينه، على الإخلاص لدين الله، ويركز فيهم خوف الله سبحانه وتعالى وحبه، لكي يبلغوا دينه إلى الأجيال الآتية من بعدهم، بأمانة وعدالة وصدق وإخلاص؟) .
فالعقل والمنطق، والبصيرة كل ذلك يقضي أن يتحقق هذا النجاح في التربية والدعوة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى أثر وفاته، (حيث إن الدين الذي لا يستطيع أن يقدم أمام العالم عدداً وجيهاً من نماذج عملية ناجحة بناءة، ومجتمعاً مثالياً في أيام الداعي وحامل رسالته الأول، لا يعتبر ناجحاً، كما أن الشجرة التي لم تؤت ثمارها اليانعة الحلوة، ولم تفتح أزهارها العطرة الجميلة، أيام شبابها وفي موسم ربيعها (وهو عهد النبوة) لا تعتبر شجرة مثمرة سليمة، وكيف يسوغ لدعاة هذه الدعوة والدين وممثليها الذين ظهروا بعد أن مضى على عهد النبوة زمن طويل، أن يوجهوا إلى الجيل المعاصر والعامل الحاضر، دعوة إلى الإيمان والعمل والدخول في السلم كافة والتغيير الكامل في الحياة، وهم عاجزون عن تقديم نتائج حية باهرة للألباب، مسلمة عند المؤرخين، للمجهودات التي بذلت في العهد الأول وفي فجر تاريخه، في سبيل إبراز أمة جديدة، وإنشاء جيل مثالي، يمثل التعاليم النبوية أصدق تمثيل ويبرهن على تأثيرها ونجاحها) .