آيات الثناء على الصحابة رضي الله عنهم (سورة المجادلة)
قوله تبارك وتعالى : ((لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)).
قال الشيخ الشنقيطي – رحمه الله – : ((وما تضمنته هذه الآية الكريمة من النهي والزجر عن موالاة أعداء الله جاء موضحاً في آيات أُخَر، قال تعالى : ((قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ)) الممتحنة. وقال تعالى : ((مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ)) (29) – الفتح – . وقوله تعالى : ((فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)) – المائدة -. وقوله تعالى : ((وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً)) (123) – التوبة.
وقوله تعالى : ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ)) . وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة ((وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ)) زعم بعضهم أنها نزلت في أبي عبيدة بن الجراح قائلاً : ((إنه قتل أباه كافراً يوم بدر أو يوم أُحد))، وقيل نزلت في عبد الله بن عبد الله بن أبي المنافق المشهور ، وزعم من قال : إن عبد الله إستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في قتل أبيه عبد الله فنهاه النبي صلى الله عليه و سلم ، و قيل نزلت في أبي بكر ، و زعم من قال أن أباه أبا قحافة سب النبي صلى الله عليه و سلم قبل إسلامه فضربه إبنه أبو بكر حتى سقط. وقوله : ((أَوْ أَبْنَاءهُمْ)) زعم بعضهم أنها نزلت في أبي بكر حين طلب مبارزة ابنه عبد الرحمن يوم بدر.
وقوله : ((أَوْ إِخْوَانَهُمْ)) زَعم بعضهم أنها نزلت في مصعب بن عمير، قالوا : قتل أخاه عبيد بن عمير، وقال بعضهم : مرّ بأخيه يوم بدر يأسره رجل من المسلمين، فقال : شدد عليه الأسر، علم أن أمه مليّة وستفديه)). وقوله : ((أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)) قال بعضهم : ((نزلت في عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب،و حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم، لما قتلوا عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة في المبارزة يوم بدر وهم بنو عمهم لأنهم أولاد ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف، وعبد شمس أخو هاشم كما لا يخفى. وقوله تعالى : ((أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ)) أي : ثبته في قلوبهم بتوفيقه. وما تضمنته هذه الآية الكريمة من تثبيت الإيمان في قلوبهم جاء موضحاً في قوله تعالى : ((وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ (7) فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً)) الحجرات 7 ، 8([1]). قلت : صحت رويات أسباب النزول أو لم تصح فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وما تضمنته الآية الكريمة يصدق على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما عرف واشتهر من سيرهم، فلولا صدق إيمانهم وإيثارهم الله ورسوله على الأهل والمال والأوطان ما كانت الهجرة وما أعقبها من فتوحات في سبيل الله تبارك وتعالى. قال الحافظ ابن كثير في التفسير : في قوله تعالى ((رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)) سِرٌّ بديع وهو أنه لما سخطوا على القرائب والعشائر في الله تعالى، عوضهم الله بالرضا عنهم وأرضاهم عنه بما أعطاهم من النعيم المقيم والفوز العظيم والفضل العميم)).
قوله تبارك وتعالى : ((أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) أي أن هؤلاء الصحابة رضي الله تعالى عنهم لم يتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين ولو كانوا ذوي قربى، وكل من إهتدى بهديهم وسار على نهجهم عقيدة وسلوكاً هم حزب الله وهم المفلحون الفائزون في الدنيا والآخرة، نعم أتباع سلف الأمة هم حزب الله حقا، وليس أولئِك الذين يتبرأون منهم ويلعنونهم ويسمون أنفسهم ((حزب الله))، كما يدعي ذلك الحزب الرافضي في لبنان. فالعبرة بالعقيدة الصحيحة الموافقة للكتاب والسنة الصحيحة.