آيات الثناء على الصحابة رضي الله عنهم (سورة التَّحرِيم)
قوله تبارك وتعالى : ((يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)).
هذا وعد حق لا ريب فيه لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بالرضوان من الحق تبارك وتعالى، والنجاة والأمن يوم القيامة وذكر عز وجل دعاءهم في ذلك اليوم العظيم، وهذه الآية مثل قوله عز وجل في سورة الحديد : ((يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم … الآية – 12 – . وقد يقول قائل : إن آية التحريم عامة كآية الحديد عامتان في جميع المؤمنين والمؤمنات في كل عصر. غير أن فضل السبق في الإيمان والجهاد والخيرية تبقى دائماً لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينازع في هذا الأمر من له مسكة من عقل ودين.
وقد تتبعت هذا اللفظ : ((وَالَّذِينَ مَعَهُ)) و ((وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ)) في كتاب الله عز وجل فوجدته يأتي دائماً في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كقوله تعالى : ((حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ)) البقرة – 214 – وقوله جل وعلا : ((لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ)) – التوبة 88 – وقوله تعالى : ((وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ)) – النــور – 62 وقوله تعالى : ((وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ)) – الفتح 29 – ؛ ثم إن هذا اللفظ يجئ دائماً في القرآن مخصصاً لأصحاب الأنبياء عليهم السلام دون غيرهم، كقوله تعالى : ((فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ )) – البقرة 249 – وقوله عز وجل : ((وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ)) – آل عمران 146 – وقوله تعالى : ((فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ)) – الأعراف 64 – وقوله تعالى : ((وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ)) – الأعراف 131 – وقوله تعالى : ((وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ)) – هود – 94 – وقوله عز وجل : ((فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ)) – هود – 66 – وقوله جل وعلا : ((وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ)) الشعراء 65 – وغير هذه الآيات كثير.
ثم إذا نظرنا إلى أول الآية : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)) فهذه الآية عامة في جميع المؤمنين ثم خص أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فوعدهم بالفوز والنجاة وعدم الخزي وبشرهم بالنور يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، وبهذا التتبع والاستقصاء أجد أني أقول : إن قول الله تعالى ((يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ)) خاص في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ورضي عنهم أجمعين، وأن كل من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم واتبع النور الذي أنزل معه واهتدى بهدي أصحابه رضي الله تعالى عنهم عسى أن يغفر الله ذنوبه ويكفر سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار.
نسأل الله تعالى أن ينفعنا بحب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم وبحب من يحبهم، فمن اتبعهم فقد اتبع سبيل المؤمنين ومن اتبع غيرهم لا يؤمن عليه أن يتردى في مهاوي البدع والضلال، وأصبح كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران. فكيف يُتبع من لم يأت في فضلهم ومناقبهم قرآن محكم ولا سنة صحيحة؟!
نسأل الله تبارك وتعالى أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة وأن يجنبنا الزيغ والضلال، وصلى الله على محمد النبي الأمي وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.