التحقيق في تعريف الصحابي اصطلاحا والترجيح بين أقوال العلماء

للعلماء أقوال متعددة في تعريف الصحابي ترجع إلى تعريف متقارب

للعماء أقوال متعددة في تعريف الصحابي ترجع إلى معنى متقارب، قال ابن حجر: وأصح ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به، ومات على الإسلام؛ فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو، ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى.
ويخرج بقيد الإيمان من لقيه كافراً ولو أسلم بعد ذلك إذا لم يجتمع به مرة أخرى. وقولنا: (به) يخرج من لقيه مؤمناً بغيره، كمن لقيه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة. وهل يدخل من لقيه منهم وآمن بأنه سيبعث أو لا يدخل؟ محل احتمال. ومن هؤلاء بحيرا الراهب ونظراؤه.
ويدخل في قولنا: (مؤمناً به) كل مكلف من الجن والإنس؛ فحينئذ يتعين ذكر من حفظ ذكره من الجن الذين آمنوا به بالشرط المذكور، وأما إنكار ابن الأثير على أبي موسى تخريجه لبعض الجن الذين عرفوا في كتاب الصحابة (1) فليس بمنكر لما ذكرته. وقد قال ابن حزم في كتاب الأقضية من (المحلى): من ادعى الإجماع فقد كذب على الأمة؛ فإن الله تعالى قد أعلمنا أن نفرا من الجن آمنوا وسمعوا القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهم صحابة فضلاء؛ فمن أين للمدعي إجماع أولئك؟ (2) وهذا الذي ذكره في مسألة الإجماع لا نوافقه عليه؛ وإنما أردت نقل كلامه في كونهم صحابة. وهل تدخل الملائكة؟ محل نظر؛ قد قال بعضهم: إن ذلك ينبني على أنه هل كان مبعوثا إليهم أو لا؟ وقد نقل الإمام فخر الدين في
(أسرار التنزيل) الإجماع على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن مرسلا إلى الملائكة. ونوزع في هذا النقل؛ بل رجح الشيخ تقي الدين السبكي أنه كان مرسلاً إليهم. واحتج بأشياء يطول شرحها. وفي صحة بناء هذه المسألة على هذا الأصل نظر لا يخفى.
وخرج بقولنا: (ومات على الإسلام) من لقيه مؤمنا به ثم ارتد، ومات على ردته والعياذ بالله. وقد وجد من ذلك عدد يسير؛ كعبيد الله بن جحش الذي كان زوج أم حبيبة؛ فإنه أسلم معها، وهاجر إلى الحبشة، فتنصر هو ومات على نصرانيته (3) . وكعبد الله بن خطل الذي قتل وهو متعلق بأستار الكعبة (4) ، وكربيعة بن أمية بن خلف (5) على ما سأشرح خبره في ترجمته في القسم الرابع من حرف الراء. ويدخل فيه من ارتد وعاد إلى الإسلام قبل أن يموت، سواء اجتمع به صلى الله عليه وسلم مرة أخرى أم لا؛ وهذا هو الصحيح المعتمد. والشق الأول لا خلاف في دخوله وأبدى بعضهم في الشق الثاني احتمالا؛ وهو مردود لإطباق أهل الحديث على عد الأشعث بن قيس في الصحابة، وعلى تخريج أحاديثه في الصحاح والمسانيد؛ وهو ممن ارتد ثم عاد إلى الإسلام في خلافة أبي بكر (6) . وهذا التعريف مبني على الأصح المختار عند المحققين؛ كالبخاري، وشيخه أحمد بن حنبل، ومن تبعهما؛ ووراء ذلك أقوال أخرى شاذة: كقول من قال: لا يعد صحابيا إلا من وصف بأحد أوصاف أربعة: من طالت مجالسته، أو حفظت روايته، أو ضبط أنه غزا معه، أو استشهد بين يديه؛ وكذا من اشترط في صحة الصحبة بلوغ الحلم، أو المجالسة ولو قصرت. وأطلق جماعة أن من رأى النبي صلى الله عليه وسلم فهو صحابي. وهو محمول على من بلغ سن التمييز؛ إذ من لم يميز لا تصح نسبة الرؤية إليه. نعم يصدق إن النبي صلى الله عليه وسلم رآه فيكون صحابيا من هذه الحيثية، ومن حيث الرواية يكون تابعيا؛ وهل يدخل من رآه ميتا قبل أن يدفن كما وقع ذلك لأبي ذؤيب الهذلي الشاعر؟ (7) إن صح محل نظر. والراجح عدم الدخول. (8)

 

الهامش:

(1) [11274])) انظر: ((أسد الغابة)) (2/317-318).

(2) [11275])) انظر: ((المحلى)) (9/365).

(3) [11276])) الحديث رواه أبو داود (2107)، وأحمد (6/427) (27448)، والحاكم (2/198). بلفظ: (عن عروة عن أم حبيبة أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش فمات بأرض الحبشة فزوجها النجاشى النبى -صلى الله عليه وسلم- وأمهرها عنه أربعة آلاف وبعث بها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع شرحبيل ابن حسنة). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، واحتج به ابن حزم في ((المحلى)) (8/244)، وصحح إسناده عبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (616) كما أشار إلى ذلك في المقدمة.

(4) [11277])) الحديث رواه البخاري (1846)، ومسلم (1357). بلفظ: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عام الفتح وعلى رأسه المغفر، فلما نزعه جاء رجل فقال: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال: اقتلوه) من حديث أنس رضي الله عنه.

(5) [11278])) انظر: ((تعجيل المنفعة)) (ص: 309)، ((أسد الغابة)) (20/209)، ((تجريد أسماء الصحابة)) (1/178)، ((طبقات ابن سعد)) (3/282)، (8/266)، (9/67)، ((البداية والنهاية)) (5/171).

(6) [11279])) رواه ابن زنجويه في ((الأموال)) (ص: 363)، وابن سلام الهروي في ((ص: الأموال)) (273). بلفظ: ارتد الأشعث بن قيس في أناس من كندة، فحوصر، فأخذ الأمان لسبعين منهم، ولم يأخذ لنفسه، فأتى به أبو بكر، فقال (إنا قاتلوك، لا أمان لك، فقال: تمن علي وأسلم؟ قال: ففعل، فزوجه أخته). من حديث إبراهيم النخعي.

(7) [11280])) انظر: ((أسد الغابة)) (6/109)، و((الاستيعاب)) (4/1648).