هل يمكن اللحاق بفضل الصحابة رضي الله عنهم؟

إمكان كلٍّ منا أن يحظى بهذا الشَّرَفِ والمجد والعِزِّ

 

إِنَّ المنازلَ الشَّرِيفةَ، والمقَاماتِ الرَّفيعةَ ثلاثةٌ لا رابعَ لها، مَضَتْ منها اثنتان، وانقضتْ منزِلتان، وبقيتْ منزلةٌ واحدةٌ إلى قيام السَّاعة؛ فَضْلاً مِن الله ونِعمةً، وتكريماً منه ورحمةً، فيا ترُى هل نحن من أهلِها؟! وإذا لم نكن! فهل يُمْكِن لنا إدراكُها، والوصول إليها، والانضمام إلى أهلها السعداء فيها؟!

والجواب: نعم، بإمكان كلٍّ منا أن يحظى بهذا الشَّرَفِ والمجد والعِزِّ، وينالَ هذه المنزلةَ العالية، والدرجةَ الرفيعة؛ يقول الصحابيُ الجليل سعدُ بن أبي وقَّاصٍ رضي الله عنه: (الناسُ على ثلاثِ منازلَ، فمضت منهم اثنتان، وبقيت واحدة، فأحسن ما أنتم كائنون عليه، أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت، ثم قرأ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:8]، ثم قال: هؤلاء المهاجرون، وهذه منزلةٌ، وقد مضت، ثم قرأ: {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9]، ثم قال هؤلاء الأنصار، وهذه منزلةٌ، وقد مضت، ثم قرأ: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10] قال: فقد مضت هاتان المنزلتان، وبقيت هذه المنزلةُ، فأحسن ما أنتم كائنون عليه، أَنْ تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت)(1).

وما أَحسنَ فِقْهَ زَينِ العابدين عليِّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب ي، حين أتاه نفرٌ من أهل العراق، فقالوا في أبي بكر وعمر ثم ابْتَرَكُوا(2) في عثمان رضي الله عنه، فلم يَتَزَكُّوا(3)، فلما فرغوا، قال لهم علي بن الحسين: ألا تُخبروني! أنتم المهاجرون الأوَّلون: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:8]؟. قالوا: لا. قال: فأنتم {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9]؟ قالوا: لا. قال: أما أنتم فقد بَرَّأْتُم أن تكونوا من أَحَدِ هذين الفريقين، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10](4).

 

الهامش:

(1) أخرجه ابن بطة؛ كما في منهاج السنة النبوية 2/19، والحاكم في المستدرك 2/484، كتاب التفسير، واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة 7/1250(2354)، كلهم من طريق أبي بدر شجاع بن الوليد، عن عبدالله بن زيد، عن طلحة بن مصرف، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. وقال الحاكم عقب الحديث: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
(2) ابتركوا في عثمان رضي الله عنه: الابتراك: افتعال من البُروك، ومادة (بَرَك) تدل على ثبات الشيء ولزومه، ومنه يقال: بَرَك بروكاً وتَبْراكاً: أي اسْتَنَاخ، وبرك: ثبت وأقام، ورجل مبترك: معتمد على شيء مُلِحٌّ.
قال الخليل: (يقال ابتَرَك الرجل في آخَر: يَتَنَقَّصُه، ويشتُمه) [ينظر: مقاييس اللغة 1/227، مفردات ألفاظ القرآن ص119، القاموس المحيط ص1204، تاج العروس 27/62]
والمراد هنا: أنهم نالوا من عثمان رضي الله عنه ووقعوا في عِرضه بالشتم، والتنقيص بثبات ولزوم.
(3) فلم يَتَزَكُّوا: مضارع من تَزَكَّى؛ من الزَّكاء، وأصل مادة (زَكَى) تدل على الزيادة والطهارة.
فمن الأول: يقال: زكا الزرع يزكو زكاءً؛ إذا حصل منه نُمو وبرَكة، وكل شيء يزداد ويسمَن فهو كذلك، ومن الثاني: يُقال: زَكِي الرَّجل يَزْكَى، وزَكا يَزْكو زكاءً وزُكُوًّا؛ إذا صلح، والزكاء، والزكاة: الصَّلاح، وزكاء النفس: أن يتحرى الإنسان ما فيه تطهيره؛ كما في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس: 9].
وسمي القَدر المخرج من المال زكاة مراعاة للمعنيين؛ لأنه تطهيرٌ للمال وتثمير، وإصلاح..
…ونماء. [ينظر: تهذيب اللغة 10/319-321، مقاييس اللغة 3/17، مفردات ألفاظ القرآن ص380-381، المصباح المنير 1/346].
والمراد هنا في الأثر: أنهم لم يتنزهوا ويُطهِّروا ألسنتَهم عن الوقيعة في ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولو أنهم أمسكوا عنه، وقالوا خيراً لكان أجدر لزكاء أنفسهم، وأطهر لألسنتهم.
(4) أخرجه:
– الزبير بن بكَّار في كتابه الأنساب، كما في تهذيب الكمال 20/394، والسِّير 4/395، عن عبدالله بن إبراهيم بن قُدامة الجمحي، -ومن طريق الزبير بن بكار: ابن عساكر في تاريخ دمشق 41/389-.
– والدَّارقطني في فضائل الصحابة ص62 (40)، من طريق أبي مصعب.
– وأبو نعيم في الحلية 3/136، من طريق أبي مصعب.