الرد على دعوى أن عمر رضي الله عنه غيَّر حكم الله في المنفيين

الرد على دعوى أن عمر رضي الله عنه غيَّر حكم الله في المنفيين
حيث طعن الخصوم على عدله رضي الله عنه بدعوى أنه “غيَّر حكم الله في المنفيين”
“وغيَّر حكم الله في المنفيين.”

الجواب:
إن تغيير حكم الله يكون بما يناقض شرعه، كإسقاط ما أوجبه الله أو تحريم ما أحله. أما النفي في حد شرب الخمر، فهو من باب التعزير الذي يسوغ فيه الاجتهاد.
فالنبي ﷺ لم يحدد في الخمر عدداً معيناً للجلد، ولا نوع الأداة، بل ورد أنه ﷺ أذن بالضرب بالجريد والنعال وأطراف الثياب، بخلاف حد القذف والزنا الذي يكون بالسوط.
وقد جلد الصحابة في شرب الخمر أربعين جلدة، وأحياناً ثمانين، وثبت عن علي رضي الله عنه قوله:
“جلد النبي ﷺ أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين، وكل سنة.”

واختلف الفقهاء في ذلك:
فقيل: الزيادة على الأربعين حد واجب، وهو قول أبي حنيفة ومالك، ورواية عن أحمد.
وقيل: هي تعزير للإمام بحسب المصلحة، وهو قول الشافعي، ورواية أخرى عن أحمد، وهو الأظهر.
وكان عمر رضي الله عنه يعاقب في شرب الخمر بالحلق والنفي أيضاً، وهذا من التعزير المشروع عند الحاجة. وقد وردت أحاديث في الأمر بقتل شارب الخمر في المرة الثالثة أو الرابعة، وهي عند بعض العلماء منسوخة، وعند آخرين من باب التعزير الشديد إذا رأى الإمام المصلحة في ذلك.

ومن ذلك الخلاف في ضمان الوفاة أثناء العقوبة
تنازع العلماء فيمن مات بسبب الحد أو التعزير أو القصاص:
اتفقوا على أن الحد المقدر لا يضمن إذا أدى إلى الوفاة، لأنه واجب شرعي.
أما في غير المقدر، كالتعزير وضرب المؤدب للصبي، فهناك ثلاثة أقوال:
لا يضمن مطلقاً، لأنه مباح (قول أحمد ومالك).
يضمن في المباح دون الواجب (قول أبي حنيفة).
يضمن في غير المقدر، لأنه قد يكون خطأ (قول الشافعي).

كما ينتبه إلى أن الأحاديث الواردة في قتل الشارب في المرة الرابعة موجودة في سنن أبي داود وسنن الترمذي ومسند أحمد، وقد بيّن أهل العلم أن أكثرها منسوخ أو محمول على التعزير الشديد.

الهوامش:
ابن تيمية، منهاج السنة النبوية، ج6، فصل الرد على قول المخالف في عمر.
النووي، شرح صحيح مسلم، كتاب الحدود، باب حد الخمر.
ابن قدامة، المغني، باب حد شرب الخمر.
ابن القيم، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، فصل في التعزير.