من دلائل علم وفضل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه
من دلائل علم وفضل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه
عمر بن الخطاب رضي الله عنه واحد من أعظم رجالات الإسلام وأرسخهم قدماً في العلم والفقه والرأي، جمع بين قوة الإيمان، ونفاذ البصيرة، وشدة الورع، وحسن السياسة. عُرف بقدرته على الجمع بين الحزم واللين، والعدل والرحمة، وكان كلامه يخرج موزوناً بالحق، لا يختلط فيه الهوى بالحكم. وقد شهد له ابن عباس رضي الله عنهما بقوله: قال لي عمر: “إنه والله يا ابن عباس ما يصلح لهذا الأمر إلا القوي في غير عنف، اللين في غير ضعف، الجواد في غير سرف، الممسك في غير بخل”، فقال ابن عباس: “فوالله ما أعرفه غير عمر”. وهذه الكلمات تلخص منهجاً متكاملاً في القيادة؛ فهي تصف الحاكم الذي يجمع بين صرامة الموقف ورقة القلب، وسخاء اليد وحكمة التدبير.
وكان عمر رضي الله عنه زاهداً في الدنيا، مترفعاً عن شهواتها، لا يرى في البقاء إلا فرصة للعمل الصالح، حتى قال: “لولا ثلاث لأحببت أن أكون قد لحقت بالله: لولا أن أسير في سبيل الله، أو أضع جبهتي في التراب ساجداً، أو أجالس قوماً يلتقطون طيب الكلام كما يلتقط طيب الثمر”. وهذه الكلمات تعكس صورة متكاملة لرجلٍ جعل حياته موزعة بين الجهاد لإعلاء كلمة الله، والعبادة التي تزكي النفس، والعلم الذي ينير البصائر. فالجهاد يحفظ للدين هيبته وانتشاره، والعبادة تحفظ للقلب نقاءه وخضوعه، ومجالس العلم تحفظ للعقل صفاءه ورشده.
وكان ابن عمر يقول عنه: “لله در عمر، لقلّ ما سمعته يقول شيئاً يخشى منه إلا كان حقاً”. فهذا الصدق في القول، والثبات في الرأي، لم يكن طارئاً في سيرته، بل كان أساساً في حياته منذ أسلم، حتى قال وهو على فراش الموت: “أما والله ما أبكي جزعاً على الدنيا، ولا حرصاً على البقاء فيها، ولكن أخاف هول المطلع، وأني لا أدري أإلى الجنة أساق أم إلى النار”. إنه يقف في آخر لحظات حياته وهو خليفة المسلمين، فتغيب عنه مشاعر الغرور أو الاطمئنان إلى العمل، ويستحضر رهبة الموقف بين يدي الله تعالى.
لقد كان عمر مثالاً متكاملاً للقائد المسلم؛ علمه يستند إلى نصوص الوحي ويستنير بعقله الرشيد، وورعه يجعله شديد التحرز في الحكم والقرار، وعدله يطمئن إليه القوي والضعيف على حد سواء، وزهده يجعله لا يتطلع إلى متاع الدنيا. ومن هنا لم يكن غريباً أن يخلد التاريخ اسمه في سجل أعظم القادة، وأن يبقى منهجه في القيادة والسياسة والعدل مضرب المثل إلى يومنا هذا.
الهوامش:
رواية ابن عباس في صفات القائد: أخرجها محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس.
رواية “لولا ثلاث…” من حديث وكيع عن الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن يحيى بن جعدة.
أثر ابن عمر في وصفه لعمر: من طريق صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه.