هل عطل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حدود الله في قصة المغيرة بن شعبة؟ رد علمي على افتراءات الخصوم

هل عطل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حدود الله في قصة المغيرة بن شعبة؟ رد علمي على افتراءات الخصوم
يقول الطاعن في الصحابة رضي الله عنهم:
“إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عطّل حدود الله، فلم يُقم الحد على المغيرة بن شعبة”.

وهذا القول مردود من عدة وجوه شرعية وتاريخية، نعرضها فيما يلي:

أولًا: هل ثبت أن عمر عطّل الحد على المغيرة؟
القصة التي يُشار إليها تتعلق باتهام المغيرة بن شعبة بالزنا، وقد شهد عليه ثلاثة شهود، لكن لم يكتمل النصاب الشرعي لحد الزنا، الذي يشترط أربعة شهود عدول. ولما لم يكتمل النصاب، لم يُقم الحد، وهذا هو الحكم الشرعي بالإجماع.
جمهور العلماء على أن ما فعله عمر رضي الله عنه في هذه القضية هو الصواب، لأنه طبق الحكم الشرعي بعدم إقامة الحد إذا لم تتم البينة.
ومن قال بخلاف ذلك، فإنه يعتبرها مسألة اجتهادية، وليس فيها نص قاطع. وبالتالي، لا يجوز الطعن في عمر رضي الله عنه بناءً على اجتهاد معتبر اتفق عليه كبار الصحابة.

ثانيًا: موقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه من القضية
القضية حدثت بحضرة الصحابة، ومنهم علي رضي الله عنه، ولم يُنكر عليهم إقامة الحد على الثلاثة الذين شهدوا، لأنه ثبت أن شهادتهم لم تكتمل، فلزم حد القذف عليهم.
بل لما أعاد أحد الشهود – وهو أبو بكرة – قوله بعد الجلد وقال:
“والله لقد زنى”،
فهمّ عمر أن يجلده مرة أخرى، فتدخل علي رضي الله عنه وقال:
“إن كنت جالده فارجم المغيرة”،
أي: إن كانت هذه شهادة جديدة، فقد اكتمل عدد الشهود، فيلزم إقامة الحد على المغيرة. وإن كانت هي نفس الشهادة الأولى، فلا يجوز جلد أبو بكرة مرة أخرى.
هذا يؤكد موافقة علي رضي الله عنه لعمر في الحكم الأول، وإلا لكان أنكر من البداية.

ثالثًا: عمر وقاف عند حدود الله
كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقّافًا عند كتاب الله، لا يحابي أحدًا، وقد عُرف عنه ذلك حتى في أقرب الناس إليه. ومن ذلك ما رواه البخاري عن موقفه مع عيينة بن حصن، حيث لما أساء إليه في المجلس، ذكره أحد الحاضرين بقول الله:
{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]،
فقال عمر: “هذا من الجاهلين”، وسكت.
ومن مواقفه المشهودة في إقامة الحد على ابنه عبد الرحمن لما شرب في مصر، فأقام عليه عمرو بن العاص الحد سرًا، فلما علم عمر بذلك غضب لأنه لم يُجلد علنًا كما يُجلد غيره، فأمر بجلده مرة أخرى تأديبًا، لا تكرارًا للحد. وهذا يدل على عدله التام وعدم محاباته لأحد، حتى لابنه.
أما ما يُقال من أنه جلد ابنه بعد موته، فذلك كذب محض، إذ لا يجوز شرعًا جلد الميت.

رابعًا: هل كان له مصلحة مع المغيرة؟
يتساءل المنصف: ما مصلحة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تعطيل الحد على المغيرة؟!
لم يكن بينهما قرابة أو منفعة خاصة، بل كان عمر ميزان العدل في الأمة، لا يميل لأحد، ولا يجامله في الحدود.
ولو كان بينه وبين المغيرة شيء، لعلمه الصحابة، ولما سكتوا، ولكن الصحابة كلهم كانوا حاضرين، وأقروا حكمه، وسكتوا عن الإنكار، بل شاركه علي بن أبي طالب في الرأي الشرعي.

خامسًا: المفارقة في كلام الخصوم
من التناقض العجيب أن الخصوم يتجاوزون عن تعطيل علي رضي الله عنه للقصاص من قتلة عثمان بن عفان، وهو تعطيل أعظم خطرًا من عدم إقامة حد الزنا في مسألة لم تكتمل فيها البينة.
فإذا كان يُعدّ السكوت عن إقامة القصاص على من قتل خليفة المسلمين عذرًا، فكيف يُعدّ اجتهاد عمر في عدم إقامة حد الزنا – لعدم كفاية الشهود – جريمة؟!

وعليه: فاتهام عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتعطيل الحدود ادعاء باطل لا سند له من الشرع أو التاريخ، ومواقفه المشهودة في العدل لا تُنكر، وقد طبق الحكم الشرعي كما أمر الله، وأقره عليه الصحابة، وفي مقدمتهم علي رضي الله عنه.
والمطاعن التي يثيرها الرافضة ليست سوى محاولات مكرورة للطعن في رموز الإسلام، ولكنهم لا يملكون إلا الأكاذيب والتأويلات الباطلة، التي تهدمها الحقائق التاريخية والشرعية.