ثناء عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه على أصحاب بدر رضي الله عنهم
فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث عَلي رضي الله عنه قال: (بعثني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأبا مَرْثَد الغَنَوي، والزبيرَ بن العوام، وكلنا فارسٌ، قال: «انطلقوا حتى تأتوا روضة خَاخٍ، فإن بها امرأة من المشركين، معها كتاب من حاطبِ بنِ أبي بَلْتَعةَ إلى المشركين»، ثم ذكر الحديث بطوله، وفي آخره: فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: «أَليس من أهل بدْرٍ؟! فقال: لعل اللهَ اطَّلعَ إلى أهل بدْرٍ، فقال: اعْمَلوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة، أو: فقد غفرتُ لكم»، فدَمَعت عينا عمر رضي الله عنه، وقال: الله ورسوله أعلم)(1).
فقد أخرج البخاري في صحيحه من حديث عَلي رضي الله عنه قال: (بعثني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأبا مَرْثَد الغَنَوي، والزبيرَ بن العوام، وكلنا فارسٌ، قال: «انطلقوا حتى تأتوا روضة خَاخٍ، فإن بها امرأة من المشركين، معها كتاب من حاطبِ بنِ أبي بَلْتَعةَ إلى المشركين»، ثم ذكر الحديث بطوله، وفي آخره: فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: «أَليس من أهل بدْرٍ؟! فقال: لعل اللهَ اطَّلعَ إلى أهل بدْرٍ، فقال: اعْمَلوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة، أو: فقد غفرتُ لكم»، فدَمَعت عينا عمر رضي الله عنه، وقال: الله ورسوله أعلم)(1).
وقدْ أظهَرَ اللهُ تعالَى صِدقَ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في ذلك؛ فإنَّهم لم يَزالوا على أعْمالِ أهلِ الجنَّةِ إلى أنْ فارَقوا الدُّنْيا، ولم يقَعْ منهم ذَنبٌ في المُستَقبَلِ يُنافي عَقيدةَ الدِّينِ؛ ولذا قبِلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عُذرَ حاطبٍ رَضيَ اللهُ عنه؛ لمَا علِمَ مِن صحَّةِ عَقيدَتِه، وسَلامةِ قَلبِه، وأنزَلَ اللهُ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1]، والإلْقاءُ: إيصالُ المَوَدَّةِ إليهم، والمُرادُ بالعَداوةِ: العَداوةُ الدِّينيَّةُ الَّتي جعَلَتِ المُشرِكينَ يَحرِصونَ كلَّ الحِرصِ على أذَى المُسلِمينَ، والمَعنى: يا مَن آمَنْتم باللهِ تعالَى إيمانًا حقًّا، احْذَروا أنْ تَتَّخِذوا أعْدائي وأعْداءَكم أوْلياءَ، وأصْدِقاءَ، وحُلَفاءَ؛ بل جاهِدوهم، وأغْلِظوا عليهم، واقْطَعوا الصِّلةَ الَّتي بيْنكم وبيْنهم.
وناداهُمْ بصِفةِ الإيمانِ؛ لتَحْريكِ حَرارةِ العَقيدةِ الدِّينيَّةِ في قُلوبِهم، ولحَضِّهم على الاسْتِجابةِ لمَا نَهاهم عنه، وفي وَصفِهم بالإيمانِ دَليلٌ على أنَّ الإتْيانَ بالكَبيرةِ لا يُنافي أصْلَ الإيمانِ.
ثمَّ ساقَ سُبحانَه الأسْبابَ الَّتي مِن شَأْنِها حَملُ المؤمِنينَ على عدَمِ مُوالاةِ أعْداءِ اللهِ وأعْدائِهم؛ فبيَّنَ أنَّهم قد كَفَروا بما جاءَكم على لِسانِ رَسولِكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن الحقِّ الَّذي يَتمثَّلُ في القُرآنِ الكَريمِ، وفي كلِّ ما أوْحاه سُبحانه إلى رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولم يَكتَفوا بكُفرِهم بما جاءَكم أيُّها المؤمِنونَ مِن الحقِّ؛ بل تَجاوَزوا ذلك إلى مُحاوَلةِ إخْراجِ رَسولِكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وإخْراجِكم مِن مكَّةَ؛ مِن أجْلِ إيمانِكم باللهِ ربِّكم، ثمَّ أكَّدَ سُبحانه الأمرَ بتَركِ مَودَّةِ المُشرِكينَ، فخاطَبَهم: إنْ كُنتم أيُّها المؤمِنونَ قدْ خرَجْتم مِن مكَّةَ مِن أجْلِ الجِهادِ في سَبيلي، ومِن أجْلِ طلَبِ مَرْضاتي؛ فاتْرُكوا اتِّخاذَ عَدوِّي وعَدوِّكم أوْلياءَ، واتْرُكوا مَودَّتَهم ومُصافاتَهم.
وقولُه سبحانَه: {وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ} مَعْناها: تَفْعَلونَ ما تَفْعَلونَ مِن إلْقاءِ المَودَّةِ إلى عَدوِّي وعَدوِّكم، ومِن إسْرارِكم بها إليهم، والحالُ أنِّي أعلَمُ منهمْ ومنكم بما أخْفَيْتُموه في قُلوبِكم، وما أعْلَنْتُموه، ومُخبِرٌ رَسولَنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذلك. ثمَّ ختَمَ سُبحانَه الآيةَ بقَولِه: {وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}، أي: ومَن يَفعَلْ ذلك الاتِّخاذَ لعَدوِّي وعَدوِّكم أوْلياءَ، ويُلقِ إليهم بالمَودَّةِ؛ فقدْ أخْطأَ طَريقَ الحَقِّ والصَّوابِ.
وفي الحَديثِ: البَيانُ عَن بَعضِ أعْلامِ النُّبوَّةِ؛ وذلك إعْلامُ اللهِ تعالَى نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بخَبَرِ المَرْأةِ الحامِلةِ كِتابَ حاطِبٍ إلى قُرَيشٍ، ومَكانِها الَّذي هي به، وذلك كُلُّه بالوَحيِ.
الهامش:
(1) أخرجه:
– البخاري في صحيحه ص589(3081) كتاب الجهاد والسير، باب إذا اضطُر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة، والمؤمنات إذا عصين الله، وتجريدهن، بنحوه.
وفي ص756(3983) كتاب المغازي، باب فضل من شهد بدراً، باللفظ المذكور.
وفي ص1205(6259) كتاب الاستئذان، باب من نظر في كتاب من يحذر على المسلمين؛ ليستبين أمره، بنحوه.
وفي ص1324(6939) كتاب استتابة المرتدين، باب ما جاء في المتأولين، بنحوه.
– ومسلم في صحيحه 4/1941(2494) كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أهل بدر رضي الله عنه، وقصة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه.
– وأبو داود في سننه 3/111(2651) كتاب الجهاد، باب في حكم الجاسوس إذا كان مسلماً، ذكر بعضه، وأحال في بقيته على ماقبله.
– والإمام أحمد في المسند في موضعين؛ الأول في 1/105، بنحوه، والثاني في 1/131، ذكر أول الحديث، ثم قال: (وذكر الحديث بطوله).
– وعبدالله في زوائده على المسند 1/130، مختصراً على أوله.