اهتمام فاطمة رضي الله عنها وبرّها بأبيها صلى الله عليه واله وسلم

عن عبداللهِ بن مسعود – رضي الله عنه – قال: بينما رسول اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قائم يصلي عند الكعبة وجَمْعُ قريش في مجالسهم، إذْ قال قائلٌ منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائي أيكم يقوم إلى جَزُورِ آل فلان، فيعمد إلى فَرْثِهَا ودَمِها وسَلَاها، فيجيءُ به، ثم يُمْهِلُه حتى إذا سجَدَ وضعَهُ بين كتفَيه، فانبعثَ أشقَاهم، فلمَّا سجدَ رسولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وضعَه بين كتفيه! ! وثبَتَ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – ساجداً، فضحكوا حتى مالَ بعضُهم إلى بعض من الضحك، فانطلق منطلقٌ إلى فاطمة – عليها السلام – ـ وهي جويرية ـ، فأقبلت تسعى، وثبتَ النبي – صلى الله عليه وسلم – ساجداً حتى ألقَتْهُ عنه، وأقبلَتْ عليهم تسُبُّهم، فلمَّا قضَى رسولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – الصلاة، قال: «اللَّهم عليكَ بقُريش، اللَّهُم عليكَ بِقُريش، اللَّهُم عليك بِقُريش»، ثم سمَّى:

«اللَّهُم عليكَ بعَمْرو بنِ هشام، وعُتبةَ بنِ ربيعة، وشيبةَ بنِ ربيعة، والوليدَ بنِ عتبة، وأُمَيَّةَ بنِ خلف، وعقبةَ بنِ أبي مُعيط، وعمارة بنِ الوليد».

قال عبدُاللهِ بن مسعود: فوَ اللهِ لقد رأيتُهم صرعى يوم بدر، ثم سُحِبوا إلى القليب، قليبِ بدر، ثم قال رسولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -: «وأُتبِعَ أصحابُ القليبِ لَعْنَةً». متفق عليه.

في رواية في «الصحيحين»: أن الذي جاء بِسَلَى الجزور، ووَضَعَه على ظهر النبيِّ – صلى الله عليه وسلم -، هو عقبة بن أبي مُعيط.

حتى جاءت فاطمة – عليها السلام -، فأخذت من ظهره، ودَعَتْ على مَن صنع ذلك.

تأمَّلْ قُدُومَها ــ وهي جاريةٌ صغيرةٌ دون البلوغ ـ لترفع الأذى عن والدها – صلى الله عليه وسلم -، ثم تتوجَّه إليهم ــ وهم كبار قريش ــ فتسبُّهم، ولم يَتعَرَّضوا لها – رضي الله عنها -.

قال الحافظ ابنُ حجَر ـ كما سبق ـ: (وفيه قوةُ نَفْس فاطمةَ الزهراء من صِغَرها؛ لِشَرَفِها في قومِها ونفسِها، لِكونها صرَخَتْ بشتمهم وهُم رؤوس قريش، فلم يردُّوا عليها).