آيات الثناء على الصحابة رضي الله عنهم (سورة النحل)

قوله تبارك وتعالى : ((وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ)) (41) ((الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)) .

قال الحافظ ابن كثير : ((نزلت هذه الآية – والله أعلم – في مهاجرة الحبشة الذي اشتد أذى قومهم لهم بمكة، حتى خرجوا من بين أظهرهم إلى بلاد الحبشة ليتمكنوا من عبادة ربهم، ومن أشرافهم : عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعفر بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو سلمة بن عبد الله الأسود، في جماعة قريب من ثمانين رجلاً وامرأة رضي الله عنهم وأرضاهم، ولقد فعل فوعدهم تعالى بالمثوبة في الدارين، فقال تعالى : ((لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً)) فقد عوضهم الله مسكناً طيباً في المدينة ورزقا طيباً فيها خيراً مما كانوا فيه)) ((لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً))

((قيل المراد نزولهم المدينة، قاله ابن عباس والحسن والشعبي وقتادة وقيل المراد الرزق الحسن، قاله مجاهد، وقيل النصر على عدوهم ، قاله الضحاك، وقيل ما استولوا عليه من فتوح البلدان وصار لهم فيها من الولايات، وقيل ما بقى لهم فيها من الثناء وصار لأولادهم من الشرف، ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه الأمور)).

وقال الواحدي : ((نزلت في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، بلال وصهيب وخباب وعامر وجندل بن صهيب، أخذهم المشركون بمكة فعذبوهم وآذوهم فبوأهم الله تعالى بعد ذلك المدينة)).

وقال السيوطي في الباب النقول ((أخرج ابن جرير عن داود بن أبي هند قال : نزلت في ابي جندب بن سهل)).

قلت : الراجح عندي أن الآيتين نزلت في مهاجرة الحبشة رضي الله تعالى عنهم، لما يلي :

أولاً – أن سورة النحل مكية إلاّ الآيات 126 ، 127 ، 128 فمدنية.

ثانياً – أن رواية ابن جرير أثر موقوف على داود بن أبي هند، قال الحافظ في التقريب : ((ثقة متقن، كان يهم بآخرة. من الخامسة مات سنة 140 هـ وقيل قبلها)) وقول ابن عباس رضي الله عنهما والحسن والشعبي وقتادة مقدم على قوله ، وقوله تبارك وتعالى : ((الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)) وصف لهم رضي الله تعالى عنهم بالصبر على أذى المشركين وثناء منه تعالى على حسن توكلهم على ربهم عز وجل.

قوله تبارك وتعالى : ((ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)).

في هذه الآية بشرى للمهاجرين رضي الله تعالى عنهم بالمغفرة والرحمة، وهم الذين فتنوا وعذبوا بمكة ثم هاجروا إلى الحبشة أو المدينة ثم جاهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل نزلت هذه الآية في جماعة من المستضعفين كعمار بن ياسر وصهيب وبلال وابى فكيهة وغيرهم رضي الله تعالى عنهم.