نقد دعوى الطعن على الصحابة – رضي الله عنهم – بقوله تعالى: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} الآية.

نقد دعوى الطعن على الصحابة – رضي الله عنهم – بقوله تعالى: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} الآية.

قال الطاعن في الصحابة – رضي الله عنهم- :
«قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وما محمدٌ إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئًا وسيجزي الله الشاكرين} (سورة آل عمران، الآية 144).
ثم قال بعدها: «فهذه الآية صريحة وجلية في أن الصحابة سينقلبون على أعقابهم بعد وفاة الرسول – صلى الله عليه وسلم – مباشرة، ولا يثبت منهم إلا القليل، كما دلّ على ذلك تعبير الله عنهم – أي: عن الثابتين الذين لا ينقلبون – بالشاكرين، فالشاكرون لا يكونون إلا قلة، كما دل عليه قوله سبحانه وتعالى: {وقليلٌ من عباديَ الشكور} (سورة سبأ، الآية 13)».

والجواب:
قاتل الله الجهل، ما أضرّه بأهله! ولو اطّلع هذا المتشدق بما لا يعلم على سبب نزول هذه الآية في كتاب مختصر من كتب التفسير، لما قال ما قال، ولكان في ستر من هذه الفضيحة التي تشهد بجهله وتقوّله على الله بلا علم ولا بصيرة.

فإن هذه الآية نزلت يوم أُحد، عندما أصاب المسلمين ما أصابهم، وشُجَّ وجه النبي – صلى الله عليه وسلم -، وكُسرت رَباعيته، وشاع في الناس أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – قد قُتل، فقال بعض المنافقين: “إن محمدًا قد قُتل، فالْحَقوا بدينكم الأول”، فنزلت هذه الآية.

روى الطبري في تفسيره بسنده عن الضحاك قال في قوله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل}، “ناس من أهل الارتياب والمرض والنفاق قالوا يوم فرّ الناس عن نبي الله – صلى الله عليه وسلم -، وشُجّ فوق حاجبه، وكُسرت رباعيته: قُتل محمد، فالْحقوا بدينكم الأول، فذلك قوله: {أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم}” (تفسير الطبري 3/458).
وكذلك روى عن ابن جُرَيْج قال: “قال أهل المرض والارتياب والنفاق حين فرّ الناس عن النبي – صلى الله عليه وسلم -: قد قُتل محمد، فالْحقوا بدينكم الأول، فنزلت هذه الآية” (نفس الموضع).

فالمقصود بـ”الانقلاب على الأعقاب” في الآية هو ما قاله المنافقون عندما شاع خبر مقتل النبي – صلى الله عليه وسلم -، وهو قولهم: ارجعوا إلى دينكم الأول.
ولم تكن الآية نازلة فيمن ارتد بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم -، وإن كانت في معناها حجةً على المرتدين لاحقًا.

بل لو كانت في المرتدين بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم -، لكانت أوضح في براءة الصحابة، إذ هم الذين قاتلوا المرتدين، وأظهر الله الدين على أيديهم، فهُزِم المرتدون، ورجع من رجع إلى الإسلام، وهلك من هلك على ردّته، وظهر فضل الصدّيق والصحابة بذلك.

وقد ثبت عن عليّ بن أبي طالب – رضي الله عنه – أنه كان يقول في قوله تعالى: {وسيجزي الله الشاكرين} (سورة آل عمران، الآية 144):
«الثابتين على دينهم أبا بكر وأصحابه» (تفسير الطبري 3/455).
وكان يقول: «كان أبو بكر أمين الشاكرين، وأمين أحبّاء الله، وكان أشكرهم وأحبهم إلى الله» (نفس المصدر).

وقد ذهب بعض المفسّرين إلى أن قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقومٍ يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم} (سورة المائدة، الآية 54)، نزلت في أبي بكر وأصحابه، لما علم الله أنهم سيقاتلون أهل الردة.

قال عليّ بن أبي طالب في هذه الآية: “بأبي بكر وأصحابه”.
وقال الحسن البصري: “هذا والله أبو بكر وأصحابه”.
وقال الضحاك: “هو أبو بكر وأصحابه، لما ارتد من ارتد من العرب عن الإسلام، جاهدهم أبو بكر وأصحابه حتى ردوهم إلى الإسلام”.
وبهذا القول قال قتادة وابن جُرَيْج وغيرهم من أئمة التفسير (تفسير الطبري 4/623-624).

فتأمل أيها القارئ الكريم، كيف أن هذا الرافضي الحاقد يتّهم أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – بالردة بعد وفاته، مع أن هؤلاء الصحابة هم الذين قاتلوا المرتدين، وأثنى الله عليهم بذلك، واشتهر في الأمة فضلهم بما قاموا به من نصرة دين الله بعد وفاة النبي – صلى الله عليه وسلم -، وجهادهم أولئك المرتدين رغم كثرتهم، وهو أمر لا يجهله أحد من عوام المسلمين، فضلاً عن علمائهم.

ثم يأتي هذا الجاهل، فيرمي هؤلاء الأخيار بالردة، مصادمًا بذلك النصوص والواقع والعقل!
فلو كان لهذا الرجل عقلٌ، لما تفوّه بهذا الهذيان الذي يجعله أضحوكة بين الناس، ويدل على سخافةٍ في العقل، وبلادةٍ في الفهم.

ولقد أحسن الشعبي – رحمه الله – في قوله:
“ما رأيت قومًا أحمق من الشيعة، لو كانت الشيعة من الطير لكانت رخْمًا، ولو كانوا من الدواب لكانوا حمُرًا” (أخرجه الخلال في السنة 1/497، واللالكائي في شرح السنة 7/1267).

وصدق شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – حين قال عنهم:
“القوم من أضل الناس على السواء، فإن الأدلة إما نقلية وإما عقلية، والقوم من أضل الناس في المنقول والمعقول، في المذاهب والتقرير. وهم من أشبه الناس بمن قال الله فيهم: {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير}” (منهاج السنة 1/8، والآية من سورة الملك، الآية 10).