نقد دعوى تشكيك المخالفين بقضاء عمر رضي الله عنه في مسألة رجم الحامل (1)

الرد على دعوى أن عمر رضي الله عنه أمر برجم حامل
نص الشبهة
قال بعض المخالفين:
“وكان قليل المعرفة بالأحكام، أمر برجم حامل، فقال له علي رضي الله عنه: إن كان لك عليها سبيل، فلا سبيل لك على ما في بطنها، فأمسك، وقال: لولا علي لهلك عمر.”

الجواب
إن صحت هذه القصة، فهي لا تدل على ما زعموه، ولها احتمالان:

أن عمر رضي الله عنه لم يكن يعلم بحمل المرأة، فأخبره علي رضي الله عنه بذلك، والأصل في الناس عدم العلم بما في الأرحام إلا بالاطلاع أو الخبر. فكون الإمام يعلم بحمل امرأة مستحقة للعقوبة أمر لا يُعرف إلا بالإخبار، وهذا ليس من مسائل الأحكام الشرعية الكلية، بل من باب إخبار الشهود أو أهل الخبرة.

أن عمر رضي الله عنه غاب عنه حكم عدم رجم الحامل، فلما ذكره علي رضي الله عنه بالحكم تذكره، ولهذا توقف عن تنفيذ الحكم. ولو كان يعتقد جواز رجم الحامل لرجمها، لكنه رجع عن رأيه، وهذا يوافق سنة النبي ﷺ في قصة الغامدية التي زنت، فأمرها أن تذهب حتى تضع حملها.

ولو قُدِّر أن هذه المسألة خفيت عليه، فذلك لا يقدح فيه؛ فقد كان يقضي ويفتي في مئات القضايا، وانتشر الإسلام في زمنه انتشاراً عظيماً، ولا يمكن لعالم مهما بلغ أن لا تخفى عليه بعض المسائل، بل إن علياً رضي الله عنه نفسه خفي عليه من سنة النبي ﷺ أضعاف ذلك، ومنها ما مات ولم يعرفه.

وبلغ من رحمة عمر رضي الله عنه وعدله أنه كان لا يفرض عطاءً للصغير حتى يفطم، ظناً أن اللبن يكفيه، حتى سمع امرأة تكره ابنها على الفطام ليفرض له، فأمر فوراً بأن يُفرض للرضيع والفطيم معاً، حمايةً لذرية المسلمين.

وهذا يدل على أنه كان يراعي في العقوبات أن لا يتعدى أثرها إلى غير الجاني، ما أمكن ذلك. ومع ذلك، فإن الشرع يجيز في بعض الحالات إيقاع الضرر غير المقصود إذا كان في ترك العقوبة مفسدة أكبر، كما في رمي النبي ﷺ أهل الطائف بالمنجنيق رغم احتمال إصابة النساء والصبيان، وكما في الحديث الصحيح عن الصعب بن جثامة رضي الله عنه في جواز إصابة ذراري المشركين في القتال من غير قصد.

إذا ظن عمر رضي الله عنه أن إقامة الحد على الحامل من باب دفع المفسدة الكبرى، ثم تبين له خلاف ذلك، فإن رجوعه عن الحكم هو عين الصواب، ولا يعد ذلك عيباً فيه. بل إن هذا الموقف أهون بكثير من الفتن الكبرى التي جرت لاحقاً، مثل وقائع الجمل وصفين، والتي لم يكن علي رضي الله عنه يتوقع مآلاتها لو علم بها.

الهوامش:
حديث الغامدية التي أمرها النبي ﷺ أن تذهب حتى تضع حملها: رواه مسلم (1695) وأبو داود (4413) والدارمي (2356).
حديث الصعب بن جثامة في إصابة ذراري المشركين في القتال: رواه البخاري (3012) ومسلم (1745).
ابن تيمية، منهاج السنة النبوية، ج6، فصل الرد على قول المخالف في أمر عمر برجم الحامل.
ابن القيم، زاد المعاد، فصل في سياسة النبي ﷺ في إقامة الحدود.
النووي، شرح صحيح مسلم، كتاب الحدود، باب رجم الحامل وتأجيل الحد عنها.
ابن قدامة، المغني، باب رجم الحامل وإقامة الحد بعد الوضع.