أم المؤمنين (جويرية بنت الحارث) رضي الله عنها وأرضاها
هي جويرية بنت الحارث بن ضرار بن حبيب بن خزيمة الخزاعية المصطلقية، سيّدة بني المصطلق وابنة زعيمهم (1). نشأت في بيت سيادة ومنعة، وكانت معروفة بين قومها بالحكمة والوقار.
في السنة الخامسة أو السادسة للهجرة وقعت غزوة بني المصطلق (المريسيع) (2)، فكانت جويرية من السبايا، فوقعت في سهم الصحابي ثابت بن قيس رضي الله عنه. كاتبها ثابت – أي عقد معها عقد المكاتبة على مبلغ من المال لتتحرر به – (3).
فلما عرضت أمرها على رسول الله ﷺ، قضى ﷺ كتابتها ودفع عنها المال، ثم تزوجها تكريمًا لها ولعشيرتها، بعد أن كانت زوجة مسافع بن صفوان الذي قُتل في المعركة نفسها.
كان زواجها سببًا في بركة عظيمة لقومها؛ إذ أعتق المسلمون مئة أهل بيت من بني المصطلق إكرامًا لمكانتها بعد أن صارت زوجة للنبي ﷺ، فأصبحت زواجها سببًا لتحرير أقوامها من الرق (4).
عاشت جويرية في بيت النبوة معروفةً بالعبادة وكثرة الذكر، وكانت مثالاً للزوجة الصالحة المؤمنة. توفيت سنة خمسين للهجرة في خلافة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، ودُفنت في البقيع (5).
ومن مناقبها رضي الله عنها:
1- كثرة العبادة والذكر، فقد كانت من المكثرات للعبادة، تروي أم المؤمنين جويرية أن النبي ﷺ خرج من عندها بعد صلاة الصبح وهي في مصلاها، ثم عاد وقت الضحى فوجدها على حالها، فقال: «لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات، لو وُزنت بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته» (6). يدل ذلك على حرصها الشديد على الذكر وطول مداومتها على العبادة.
2- تغيير اسمها تكريمًا وتواضعًا، فقد كان اسمها قبل الإسلام برة، فغيّره النبي ﷺ إلى جويرية، كراهية الأسماء التي فيها تزكية للنفس امتثالاً لقوله تعالى: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ [النجم: 32] (7). وفي هذا دلالة على محبة النبي ﷺ لها وعنايته بأدق شؤونها.
3- سببٌ في عتق مئات الأسرى، فبزواجها من رسول الله ﷺ أُعتق بسببها مئة أهل بيت من بني المصطلق، إذ قال المسلمون: «أصهار رسول الله ﷺ»، فكانت بركتها على قومها عظيمة وأثرها في تاريخهم باقٍ (8).
المراجع:
(1) ابن سعد، الطبقات الكبرى 8/120.
(2) المريسيع: اسم بئر لخزاعة بين مكة والمدينة (بضم الميم وفتح الراء وسكون الياء).
(3) المكاتبة: أن يتفق السيد مع رقيقه على مال يؤديه، فإذا أداه صار حرًا.
(4) ابن هشام، السيرة النبوية 4/301.
(5) الذهبي، سير أعلام النبلاء 2/218.
(6) صحيح مسلم، كتاب الذكر والدعاء، حديث رقم (2726).
(7) القرآن الكريم، سورة النجم، آية (32).
(8) ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ترجمة جويرية.