المرويات الحديثية لأم سلمة وميمونة رضي الله عنهما – راويتان من بيت النبوة
كانت أم المؤمنين أم سلمة بنت أبي أمية المخزومية من أعقل نساء النبي ﷺ وأفقههن، تميزت برجاحة العقل وحسن المشورة، وكانت من الراويات المكثرات عن رسول الله ﷺ، إذ عاشت بعده سنين طويلة، فحدّث عنها كبار الصحابة والتابعين. وقد نقلت إلى الأمة زادًا علميًا ثريًا من حديث النبي ﷺ، تضمن أحكامًا شرعية وتوجيهات أخلاقية وأخبارًا عن حياته في بيته المبارك.
ذكر الإمام الذهبي أن مسندها يبلغ ثلاثمائة وثمانية وسبعين حديثًا (378)، اتفق الشيخان البخاري ومسلم على ثلاثة عشر حديثًا منها، وانفرد البخاري بثلاثة، وانفرد مسلم بثلاثة عشر حديثًا[1]. وقد وردت مروياتها في الصحيحين والمسانيد وكتب السنن، مما يدل على مكانتها في نقل الحديث وثقة الأئمة بها.
وكانت رضي الله عنها من الفقيهات العالمات، حتى قال عنها ابن عبد البر: «كانت من ذوات الرأي والعقل والدين»[2]. وقد روت أحاديث جليلة في الطهارة والصلاة والحج والآداب، ومن أشهر مروياتها حديثها في النية عند الإحرام وحديثها في آداب الصيام، كما كانت تُسأل في الفتيا وتُرجع إليها النساء في شؤون الأحكام الخاصة بهن، لما عُرف عنها من فهمٍ ودقة.
أما أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية رضي الله عنها، فهي آخر من تزوج بها النبي ﷺ، وكانت من خيار نسائه دينًا وخلقًا. وقد روت عن النبي ﷺ عددًا من الأحاديث التي تناولت أحواله في بيته الشريف وعباداته. قال الإمام الذهبي: «رُوي لها سبعة أحاديث في الصحيحين، انفرد لها البخاري بحديث، ومسلم بخمسة، وجميع ما روت ثلاثة عشر حديثًا»[3].
غير أن بعض العلماء كالإمام أحمد بن حنبل في المسند أثبتوا لها روايات أكثر من ذلك، حيث يبدأ مسندها عند أحمد بالرقم (26858/10) وينتهي بالرقم (26921/10)، مما يعني أن مروياتها تزيد على ما ذكره المتقدمون. كما نقل الشيخ المحقق عرفان العشا في حاشيته على أسماء الصحابة الرواة أن عدد أحاديثها يتراوح بين (46) و**(79)** حديثًا بحسب اختلاف المصادر، فقد ذكر كحالة في أعلام النساء أنها روت سبعة وسبعين حديثًا، وفي بعض المخطوطات في دار الكتب الظاهرية ورد أنها روت تسعة وسبعين حديثًا[4].
وقد كان لأم المؤمنين ميمونة أثر بارز في تعليم النساء ونقل ما رأته من أفعال النبي ﷺ، فكانت أحاديثها مصدرًا في مسائل الطهارة والمعاشرة الزوجية وأدب البيت المسلم. وروي عنها جمع من الصحابة، منهم ابن عباس وابن أخيها يزيد بن الأصم وغيرهما. وكان العلماء يعدّونها من الثقات، فحديثها في الصحيحين، ومسند أحمد، وسنن النسائي، مما يثبت مكانتها بين راويات الحديث.
وتُظهر مرويات كلتا السيدتين عمق الصلة التي جمعتهما بالنبي ﷺ، وحرصهما على نقل سنّته بدقة وأمانة، ليبقى ما حفظتاه نورًا للأمة في فهم الدين والاقتداء بالهدي النبوي. فجزاهما الله عن الإسلام خير الجزاء، وجعل ما روتهما من سنن رسول الله ﷺ في ميزان حسناتهما.
________________________________________
الهامش:
الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج2، ص203.
ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج4، ص1865.
الذهبي، تذكرة الحفاظ، ج1، ص56.
عرفان العشا، نساء في ظل رسول الله، ص187؛ كحالة، أعلام النساء، ج4، ص352؛ ابن حزم، أسماء الصحابة الرواة، ص68.