أم المؤمنين (حفصة بنت عمر بن الخطاب) رضي الله عنها
حفصة بنت أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، أخت الصحابي الجليل عبد الله بن عمر لأبيه، وأمها زينب بنت مظعون أخت الشهيد العابد عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة. وُلدت قبل البعثة النبوية بخمس سنوات، ونشأت في بيتٍ مكيٍّ عُرف بالصلابة في الحقّ والالتزام بالإسلام منذ بواكيره.
تزوجت حفصة في بداية شبابها الصحابي خُنيس بن حذافة السهمي، وهو من السابقين إلى الإسلام والمهاجرين الأوائل. شارك خُنيس في الهجرة إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وشهد بدرًا وأحدًا، وأصيب في المعارك حتى توفي متأثرًا بجراحه في المدينة المنوّرة (1). بعد وفاته وجدت حفصة نفسها شابةً أرملةً، فخطبها النبي ﷺ في السنة الثالثة للهجرة، فانتقلت إلى بيت النبوة زوجةً وأمًا للمؤمنين، وكان زواجها تكريمًا لها ووفاءً لأبيها الفاروق عمر رضي الله عنه.
عاشت حفصة مع رسول الله ﷺ حياةً ملؤها العبادة والعلم، وعُرفت بالذكاء والفصاحة، وحفظت كثيرًا من أقواله وأفعاله. وكانت قريبة من والدها عمر بن الخطاب، فكانت صلة الوصل بين بيت النبوة وبيت الخلافة. وقد روت عن النبي ﷺ عدة أحاديث نقلها عنها كبار الصحابة.
من مناقبها وفضائلها رضي الله عنها:
1- شاركت حفصة زوجها خُنيس في هجرته إلى المدينة، تاركةً مكة وأهلها حبًا للإيمان. وروى ابن سعد عن أبي الحويرث: «تزوج خنيس بن حذافة من حفصة بنت عمر فكانت عنده وهاجرت معه إلى المدينة» (2). وقد كانت تلك الهجرة برهانًا على صدقها وصبرها في سبيل الله.
2- تميّزت حفصة بكثرة الصيام والقيام، فكانت صوّامة قوّامة. حتى أن جبريل عليه السلام أثنى على هذه العبادة العظيمة، كما روى الطبراني عن قيس بن زيد: «أنَّ رسول الله ﷺ طلق حفصة تطليقة… فجاء النبي ﷺ فدخل فتجلببت، فقال النبي ﷺ: أتاني جبريل فقال: راجع حفصة فإنها صوّامة قوّامة وإنها زوجتك في الجنة» (3). هذا الحديث يبرز مكانتها عند الله وعند رسوله ﷺ.
3- بعد أن جُمع القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه، بقي المصحف عنده حتى وفاته، ثم انتقل إلى عمر في خلافته، وبعد استشهاده أصبح عند ابنته حفصة. ولما أراد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه توحيد المصاحف، استأذنها ليأخذ الأصل الذي عندها لينسخ عليه، ثم أعاده إليها بعد الانتهاء. وبقي المصحف عندها حتى وفاتها، فكانت حافظةً لأمانة الأمة ومؤتمنة على كلام الله (4).
4- تميزت حفصة بعقلٍ راجح ولسانٍ فصيح، وكانت تحب العلم وتستمع لأحاديث النبي ﷺ وتحفظها. وقد روى عنها عدد من الصحابة، وكانوا يستشيرونها في أمور الدين، مما يدل على مكانتها العلمية بين أمهات المؤمنين.
5- كان والدها أمير المؤمنين عمر يجلها ويحترم رأيها، وكان يجد في عقلها وحكمتها معينًا في كثير من القضايا. هذا القرب جعلها شاهدة على العديد من أحداث التاريخ الإسلامي ومؤثرة فيه.
عاشت حفصة بعد استشهاد والدها عمر بن الخطاب عشر سنوات، وتوفيت في شعبان سنة 45 هـ في المدينة المنورة. صُلي عليها ودفنت في البقيع مع أمهات المؤمنين، مخلفةً سيرةً عطرة من العبادة، وحفظ كتاب الله، والوفاء لدينها وزوجها رسول الله ﷺ.
المراجع:
(1) خُنيس بن حذافة من المهاجرين الأولين، شهد بدرًا بعد هجرته إلى الحبشة، ثم شهد أحدًا وأصيب بجراح مات منها في المدينة؛ انظر: الاستيعاب لابن عبد البر 1/134، والإصابة لابن حجر 2/345.
(2) ابن سعد، الطبقات الكبرى 8/81.
(3) الطبراني، المعجم الكبير 18/365 رقم (934)، والمستدرك 4/16 رقم (6753)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة رقم (2007) وصحيح الجامع الصغير وزيادته رقم (4351).
(4) صحيح ابن حبان رقم (4506) وصححه الشيخ شعيب الأرناؤوط.