أبو هريرة رضي الله عنه [5] : ملامح من عبادة أبي هريرة وتقواه
تميّز أبو هريرة س بعبادته وورعه وتقربه الدائم إلى الله تعالى. فقد عاش ملازماً لرسول الله ص، يشاهد اجتهاده في العبادة، وكيف كان يقف بين يدي ربه حتى تتورّم قدماه. وهذا التأثر العميق انعكس على حياته، فكان من المكثرين في الصلاة والصيام وتلاوة القرآن وقيام الليل.
وينقل حماد بن زيد عن عباس الجريري قوله: سمعت أبا عثمان النهدي يقول: «تضيفت أبا هريرة سبعاً، فكان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثاً؛ يصلي هذا، ثم يوقظ هذا فيصلي، ثم يرقد ويوقظ هذا».
ثم قال: قلت: يا أبا هريرة كيف تصوم؟ قال: «أما أنا فأصوم من أول الشهر ثلاثاً، فإن حدث لي حادث كان آخر شهري»(1).
كما جاء عن ابن جريج قوله: قال أبو هريرة: «إني أجزئ الليل ثلاثة أجزاء؛ فجزء لقراءة القرآن، وجزء أنام فيه، وجزء أتذكر فيه حديث رسول الله»(2).
ومن وصايا النبي له ما ثبت عنه أنه قال: «أوصاني خليلي ص بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام»(3).
ويروي حماد بن سلمة، عن هشام بن سعيد بن زيد الأنصاري، عن شرحبيل أنّ أبا هريرة كان يحافظ على صيام الإثنين والخميس(4).
وكان إلى جانب ذلك كثير الذكر، شديد الخوف من الله تعالى، محذّراً من النار. فقد روى ميمون بن ميسرة قوله: «كانت لأبي هريرة صيحتان في كل يوم: أول النهار وآخره، يقول: ذهب الليل، وجاء النهار، وعُرض آل فرعون على النار، فلا يسمعه أحد إلا استعاذ بالله من النار»(5).
ويروي ابن المبارك أنه لما اشتد مرض أبي هريرة بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: «ما أبكي على دنياكم هذه، ولكن على بعد سفري، وقلة زادي، وأني أمسيت في صعود، ومهبطه على جنة أو نار، فلا أدري إلى أيهما يؤخذ بي»(6).
كما روي عنه قوله: «لا تغبطن فاجراً بنعمة، فإنّ من ورائه طالباً حثيثاً طلبه، جهنم كلما خبت زدناهم سعيراً».
وقال ابن كثير: «وقد كان أبو هريرة من الصدق والحفظ والديانة والعبادة والزهادة والعمل الصالح على جانب عظيم»(7).
المراجع
(1) أحمد: المسند 16/260.
(2) ابن كثير: البداية والنهاية 8/113.
(3) البخاري 2/247.
(4) الذهبي: سير أعلام النبلاء 2/610.
(5) الذهبي: سير أعلام النبلاء 2/611.
(6) المصدر نفسه 2/625.
(7) ابن كثير: البداية والنهاية 8/113.