أبو هريرة رضي الله عنه [6]: صورة مضيئة من التواضع والكرم

اشتهر أبو هريرة رضي الله عنه بتواضعه الشديد، فقد رافقه هذا الخلق الكريم في مختلف مراحل حياته. ولم يدفعه ما ناله من علم وجاه وفضل إلى نسيان ماضيه وما مرّ به من فاقة وضيق، بل ظل يستحضر أيامه الصعبة ليزداد شكراً لله تعالى، وليتذكر فضله عليه في كل حين. وقد روي عنه قوله:
«نشأت يتيماً، وهاجرت مسكيناً، وكنت أجيراً لابنة غزوان بطعام بطني، وعقبة رجلي، أحدو بهم إذا ركبوا، واحتطب إذا نزلوا، فالحمد لله الذي جعل الدين قواماً، وأبا هريرة إماماً بعد أن كان أجيراً لابنة غزوان على شبع بطنه، وحمولة رجله»(1).

ويعلق الذهبي على شخصيته بقوله:
«وكان من أوعية العلم مع الجلالة والعبادة والتواضع»(2).

ولم يكن التواضع وحده ما يميّز أبا هريرة، بل كان إلى جانبه مثالاً في الكرم وحسن الضيافة. فقد عايش النبي ص الذي كان أجود بالخير من الريح المرسلة، فاقتدى به في سخائه. ويروي أبو نضرة العبدي عن الطفاوي قوله:
«نزلت على أبي هريرة بالمدينة ستة أشهر، فلم أر رجلاً من أصحاب رسول الله ص أشد تشميراً، ولا أقوم على ضيف منه»(3).

ويبدو من كلام الراوي أنه يقصد من ضافه من أصحاب النبي، لا أنهم كلهم دونه في الجود، إذ كان فيهم أعلام لا تُدرك سواحل كرمهم. ومع ذلك فقد جمع أبو هريرة بين التواضع والكرم وخفة الروح؛ فلم يحمل حقداً لأحد، ولم يطمع فيما عند الناس، بل رضي بما قسمه الله له وشكره على نعمه.

ومن جميل ما روي عنه قوله:
«الحمد لله الذي أشبعنا من الخبز بعد أن لم يكن طعامنا إلا الأسودين: التمر والماء»(4).

المراجع

(1) الذهبي: سير أعلام النبلاء 2/611، وابن كثير: البداية والنهاية 2/113.
(2) الذهبي: تذكرة الحفاظ 1/34.
(3) الذهبي: تذكرة الحفاظ 1/35، وسير أعلام النبلاء 2/593، والطفاوي: صحابي من أهل الصفة، أبو نعيم: الحلية 1/375.
(4) الذهبي: سير أعلام النبلاء 2/610.