الآيات القرآنية على عدالة الصحابة: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ)

هكذا يصف القرآن الصحابة ذلك الجيل المثالي الذي حقق مستوى سامياً في الارتقاء الروحي والخلقي، فصقلته العبادة وكساه الركوع والسجود نوراً وبهاء، وحددت العقيدة مفاهيمه وقيمه وولاءه وبراءه، يوالون بعضهم ويحادون من سواهم، فكان أحدهم شديداً عنيفاً على الكفار رحيماً براً بالأخيار، شديداً في وجه الأعداء، ضحوكاً بشوشاً في وجه أخيه المؤمن.

قال تعالى: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الفتح: 29].
هكذا يصف القرآن الصحابة ذلك الجيل المثالي الذي حقق مستوى سامياً في الارتقاء الروحي والخلقي، فصقلته العبادة وكساه الركوع والسجود نوراً وبهاء، وحددت العقيدة مفاهيمه وقيمه وولاءه وبراءه، يوالون بعضهم ويحادون من سواهم، فكان أحدهم شديداً عنيفاً على الكفار رحيماً براً بالأخيار، شديداً في وجه الأعداء، ضحوكاً بشوشاً في وجه أخيه المؤمن.
ومن تصفح سير الصحابة وتراحمهم وجد على ذلك الوصف دليلاً صادقاً فلم يثبت عنهم مفارقة الأهل والأوطان فحسب، بل ثبت أن بعضهم قتل ابنه أو أباه من أجل دينه وعقيدته على ما كان عليه من الألفة والمودة والمحبة لإخوانه المسلمين؛ ذلك الجيل الذي خلدته كتب السماء فوصفته التوراة والإنجيل والقرآن بهذا الوصف الرائع، ممثلة امتداد قيمه وانتشار عقيدته وكثرة أنصاره وقوة وجوده واستمساك أمره بالزرع الذي أخرج شطأه وتفرعت أغصانه فقوى الزرع ذلك الشطأ وشده فصار غليظاً بعد ما كان دقيقاً واستوى على ساقه وشب وطال حتى أعجب الزراع وسرهم بقوته وكثافته وغلظه وحسن منظره وطول قامته، فسر أهله الذين غرسوه أغاظ الأعداء.
ومن أهم ما يجب أن يلتفت إليه في هذه الآية هو أنه تعالى أخبر بصدق الصحابة وصحة أعمالهم وإخلاص قلوبهم ونقائها وطهارة بواطنهم وصفائها وهم إنما يعملون الطاعات ويؤدون العبادات رجاء نيل رضاه وفضله فقال: يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا، وذلك لتميز ركوعهم وسجودهم عن ركوع الكفار وسجودهم، وركوع المرائي وسجوده فإنه لا يبتغي به ذلك.
ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك رحمه الله تعالى في رواية عنه تكفير من أبغض الصحابة واغتاظ منهم، فقد ذكر في مجلسه أن رجلاً ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ مالك: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ الآية حتى بلغ: لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ، فقال: من أصبح من الناس في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أصابته هذه الآية .
ومن الجدير بالذكر أن (من) في قوله تعالى: وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ ليست مبعضة لقوم من الصحابة دون قوم (ولكنها عامة مجنسة، مثل قوله تعالى: الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ [الحج: 30]. لا يقصد للتبعيض لكنه يذهب إلى الجنس، أي فاجتنبوا الرجس من الأوثان، إذ كان الرجس يقع من أجناس شتى، منها الزنى والربا وشرب الخمر والكذب فادخل (من) يفيد بها الجنس وكذلك منهم، أي من هذا الجنس، يعني جنس الصحابة؛ ويقال: أنفق نفقتك من الدراهم، أي اجعل نفقتك هذا الجنس) .
قال النحاس في (إعراب القرآن): (تكون – منهم – لبيان الجنس أولى لأنها إذا جعلت للتبعيض كان معنى آمنوا: ثبتوا، وذلك مجاز ولا يحمل الشيء على المجاز ومعناه صحيح على الحقيقة) ؛ وقال العكبري: (منهم – لبيان الجنس تفضيلاً لهم بتخصيصهم بالذكر) .
ومن بيان معنى الآية الكريمة يظهر لنا وجه الاستدلال بها على عدالة الصحابة رضي الله عنهم وهو أن الله جل جلاله مدح الصحابة بأنهم رحماء بينهم، أشداء على أعدائهم، وقد أخبر عن صدق بواطنهم وإخلاصهم، وهذا كله يستلزم عدالتهم رضي الله عنهم.

المصادر:
((تفسير القرطبي)) (16/195).