هل حديث الكساء وآية المباهلة دليلان على خلافة آل البيت رضي الله عنهم؟
حديث الكساء عائشة رضي الله عنها قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرحل(2)، فأدخل عليا وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم ثم قال: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] {الأحزاب: 33}.
يستدلون بهذ الحديث على أن الله تبارك وتعالى أراد أن يذهب عنهم الرجس، وما يريده الله يقع، فإذا أذهب الله عنهم الرجس صاروا معصومين، فإذا صاروا معصومين فيجب أن يكونوا هم الأولى بالخلافة من غيرهم.
وهذا ادعاء باطل لأمور كثيرة منها:
أولا: هذه الآية وهي التي تسمى « آية التطهير » إنما نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله تبارك وتعالى: [يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا * وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا * واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا] {الأحزاب: 32- 34}. فالذي يراعي سياق هذه الآيات يوقن أنها في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
وأما قول الله تبارك وتعالى: [ليذهب عنكم الرجس].
ولم يقل « عنكن »، و[ويطهركم] ولم يقل: « يطهركن » فيستدل البعض على أنه لما جاءت هنا ميم الجمع دل على خروج نساء النبي صلى الله عليه وسلم من التطهير ودخول علي وفاطمة والحسن والحسين بدليل الحديث، وهذا باطل، لأن الآية متصلة وهي قول الله تبارك وتعالى: [وقرن في بيوتكن] ثم أتبعها بـ: [واذكرن ما يتلى في بيوتكن].
فالخطاب كله في هذه الآيات لنساء النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيا: ذكر الله عز وجل ميم الجمع بدل نون النسوة لأن النساء دخل معهن النبي صلى الله عليه وسلم (وهو رأس أهل بيته)، كما قال تبارك وتعالى عن زوجة إبراهيم: [قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد] {هود: 73}. مع أنهما إبراهيم وزوجته، وقال تعالى عن موسى: [فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون] {القصص: 29}.
وكانت معه زوجته. وقول امرأة العزيز لزوجها: [ما جزاء من أراد بأهلك سوءا]. تعني نفسها، فقول الله: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا]. وقال هنا: « عنكم » لدخول النبي صلى الله عليه وسلم مع نسائه في هذه الآية لا أن عليا وفاطمة والحسن والحسين دخلوا ضمن هذه الآية، وإنما كان علي والحسن والحسين وفاطمة رضي الله عنهم من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم بدليل حديث الكساء لا بدليل الآية، فحديث الكساء هو الذي يدل على أن عليا وفاطمة والحسن والحسين من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لما غطاهم النبي صلى الله عليه وسلم بالكساء وقرأ: [إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا] فأدخلهم في أهل بيته.
ثالثا: إن معنى أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم يتعدى زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ويتعدى عليا والحسن والحسين وفاطمة إلى غيرهم، كما في حديث زيد بن أرقم وأنه لما قيل له: نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته الذين حرموا الصدقة وهم آل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل العباس. قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم . إذا، اتسع مفهوم أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أكثر من ذلك.
فهم نساؤه بدليل الآية. وعلي وفاطمة والحسن والحسين بدليل حديث الكساء وبدليل حديث زيد بن أرقم.
وآل عباس بن عبد المطلب، وآل عقيل بن أبي طالب، وآل جعفر بن أبي طالب، وآل علي بن أبي طالب بدليل حديث زيد بن أرقم.
فكل هؤلاء هم أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، جميع بني هاشم من آل البيت، وهم كل من حرم الصدقة.
بدليل حديث عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب قال: اجتمع ربيعة بن الحارث، والعباس بن عبد المطلب فقالا: والله لو بعثنا هذين الغلامين (قالا لي، وللفضل بن العباس) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلماه فأمرهما على هذه الصدقات فأديا ما يؤدي الناس وأصابا مما يصيب الناس قال: فبينماهما في ذلك جاء علي بن أبي طالب فوقف عليهما فذكرا له ذلك، فقال علي بن أبي طالب: لا تفعلا. فوالله ما هو بفاعل، فانتحاه ربيعة بن الحارث فقال: والله ما تصنع هذا إلا نفاسة منك علينا (يعني: تحسدنا) فوالله لقد نلت صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فما نفسناه عليك.
قال علي: أرسلوهما، فانطلقا واضطجع علي.
قال: فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر سبقناه إلى الحجرة، قال: فقمنا عندها حتى جاء فأخذ بآذاننا، ثم قال: أخرجا ما تصرران، ثم دخل ودخلنا عليه وهو يومئذ عند زينب بنت جحش. قال: فتواكلنا الكلام ثم تكلم أحدنا فقال: يا رسول الله أنت أبر الناس وأوصل الناس، وقد بلغنا النكاح وجئنا لتؤمرنا على بعض هذه الصدقات، فنؤدي إليك كما يؤدي الناس ونصيب كما يصيبون. قال: فسكت طويلا حتى أردنا أن نكلمه. قال وجعلت زينب تلمع علينا من وراء الحجاب أن لا تكلماه. قال: ثم قال: إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد؛ إنما هي أوساخ الناس.
رابعا: الآية ليس فيها أن الله أذهب عنهم الرجس، لأن هذه الإرادة إرادة شرعية، إرادة المحبة، وهي غير الإرادة القدرية.
يعني: يحب الله أن يذهب عنكم الرجس، ولا شك أن الله أذهب الرجس عن فاطمة والحسن والحسين وعلي وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس.
ولكن الإرادة هنا في هذه الآية هي الإرادة الشرعية، ولذلك في الحديث نفسه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما جللهم بالكساء قال: اللهم هؤلاء أهل بيتي اللهم أذهب عنهم الرجس. فإذا كان الله أذهب عنهم الرجس لماذا يدعو لهم بإذهاب الرجس(1)؟!
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم دليل على أن هذه الإرادة إرادة شرعية مثل قول الله تبارك وتعالى: [يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم * والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما * يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا] {النساء: 26- 28}.
كل هذه الإرادات التي ذكرها الله تبارك وتعالى إنما هي الإرادات الشرعية، فالله يريد أن يخفف عن الناس جميعا ويريد أن يتوب على الناس جميعا، ولكن هل تاب على جميع الناس؟ فمن الناس مؤمن وكافر، ولم يتب الله على جميع الناس، قال تعالى: [هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير] {التغابن: 2}.
خامسا: إن الله تبارك وتعالى يريد إذهاب الرجس عن كل أحد وعن كل مؤمن.
ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلم إذا أراد أن يصلي أن يتجنب أماكن الوسخ، وقال الله تعالى: [وثيابك فطهر] {المدثر: 4}.
وأمر بالوضوء، وأمر بالاغتسال عند الجنابة.
سادسا: التطهير ليس خاصا بعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم، بل واقع لغيرهم أيضا كما قال تعالى: [خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم] {التوبة: 103}، وقال تعالى: [يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون] {المائدة: 6}.
وقال تعالى: [إذ يغشيكم النعاس أمنة منه وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام] {الأنفال: 11}.
وهؤلاء (الثلاثمائة وبضعة عشر) يكونون إذن – على مذهب هؤلاء – وقياسهم معصومين؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: [ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان].
سابعا: إذهاب الرجس لا يدل على أنهم الخلفاء بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل نحن نوقن أن الله أذهب عن علي الرجس ولذلك صار مولى المؤمنين، وكذلك الحسن والحسين وفاطمة، وكذلك زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك سماهن أمهات المؤمنين: [النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا كان ذلك في الكتاب مسطورا] {الأحز اب: 6}.
وكذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله أذهب عنهم الرجس جميعا بدليل الآيات التي ذكرناها سالفا (1) فصاروا موالي المسلمين، ثم إن ذهاب الرجس لا يدل على العصمة ولا يدل على الإمامة من باب أولى.
وأما آية المباهلة وهي قوله تعالى: [فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين] {آل عمران: 61}.
فهي تدل على فضلهم ومكانتهم، وليس لها تعلق بالإمامة من قريب ولا من بعيد.