هل حديث الغدير يدلّ على خلافة آل البيت رضي الله عنهم؟

عن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: « ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: « وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي ».
فقال حصين بن سبرة لزيد: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟
قال: نساؤه من أهل بيته، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده.
قال: ومن هم؟
قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس.
قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم(1).
وجاء عند غير مسلم، كالترمذي(2)، وأحمد(3)، والنسائي في

________________________________
(1) « صحيح مسلم »: كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي، حديث (2408).
(2) « جامع الترمذي »: كتاب المناقب، باب مناقب علي، حديث (3713).
(3) أخرجه أحمد في « المسند » (5/347).

فلما قدمنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له فقال النبي صلى الله عليه وسلم لبريدة: يا بريدة أتبغض عليا؟ فقلت: نعم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك(1)، وفي رواية(2) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبريدة: من كنت مولاه فعلي مولاه.
الثاني: عن أبي سعيد أن عليا منعهم من ركوب إبل الصدقة، ( لما كانوا في اليمن) وأمر عليهم رجلا وخرج إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، ثم لما أدركوه في الطريق إذا الذي أمره قد أذن لهم بالركوب فلما رآهم ورأى الإبل عليها أثر الركوب غضب ثم عاتب نائبه الذي جعله مكانه.
قال أبو سعيد: فلما لقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذكرنا ما لقيناه من علي (من الغلظة والتضييق)، وفي رواية أنها كانت حللا أرادوا أن يلبسوها فمنعهم علي رضي الله عنه من لبسها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « مه يا سعد بن مالك (وهو أبو سعيد ) بعض قولك لأخيك علي، فوالله لقد علمت أنه أحسن في سبيل الله ».
قال ابن كثير: إسناد جيد على شرط النسائي أخرجه البيهقي وغيره.

________________________________
(1) « صحيح البخاري » كتاب: المغازي، باب: بعث علي وخالد إلى اليمن، حديث (4350).
(2) « جامع الترمذي » كتاب: المناقب، باب: مناقب علي، حديث (3712).

وقال ابن كثير: إن عليا رضي الله عنه لما كثر فيه « القيل والقال » من ذلك الجيش بسبب منعه إياهم استعمال إبل الصدقة واسترجاعه منهم الحلل التي أطلقها لهم نائبه لذلك، والله أعلم لما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم من حجته وتفرغ من مناسكه وفي طريقه إلى المدينة مر بغدير خم فقام في الناس خطيبا فبرأ ساحة علي، ورفع قدره ونبه على فضله ليزيل ما وقر في قلوب كثير من الناس(1).
إذا: هذا هو الأمر الذي كان سبب الحديث، هم تكلموا في علي، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم أخر الكلام إلى أن رجع إلى المدينة ولم يتكلم وهو في مكة في أيام منى أو في يوم عرفة وإنما أجل الأمر إلى أن رجع. لماذا؟ لأن هذا أمر خاص بأهل المدينة؛ وذلك أن الذين تكلموا في علي رضي الله عنه من أهل المدينة وهم الذين كانوا مع علي في السرية.
وغدير خم في الجحفة، وهي تبعد عن مكة تقريبا مئتين وخمسين كيلو مترا، والذي يقول: إنه مفترق الحجيج كذاب؛ لأن مجتمع الحجيج مكة، ومفترق الحجيج مكة، فلا يكون مفترق الحجيج بعيدا عن مكة أكثر من مئتين وخمسين كيلو مترا أبدا، فإن أهل مكة يبقون في مكة، وأهل الطائف يرجعون

________________________________
(1) « البداية والنهاية » (5/95).

إلى الطائف، وأهل اليمن إلى اليمن، وأهل العراق إلى العراق، وهكذا، كل من أنهى حجه فإنه يرجع إلى بلده وكذلك القبائل العربية ترجع إلى مضاربها، فلم يكن مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا أهل المدينة ومن كان على طريق المدينة فقط، وهم الذين خطب فيهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « من كنت مولاه فعلي مولاه ».
والاختلاف بين أهل السنة والشيعة في مفهوم قول النبي صلى الله عليه وسلم لا في الثبوت، فالشيعة يقولون: « من كنت مولاه فعلي مولاه » أي: من كنت واليه فعلي واليه، وأهل السنة يقولون: إن مفهوم قول النبي صلى الله عليه وسلم «من كنت مولاه فعلي مولاه » أي: الموالاة التي هي النصرة والمحبة، وعكسها المعاداة وذلك لأمور:
أولا: للزيادة التي وردت، وقلت صححها بعض أهل العلم، وهي قول النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ».
فالموالاة والمعاداة هي شرح لقوله: « فعلي مولاه » فهي في محبة الناس لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه.
ثانيا: إن وقوف النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن لأجل علي، وإن كان علي يستحق ذلك وأكثر رضي الله عنه وأرضاه، ولكن القصد أن وقوف النبي صلى الله عليه وسلم كان للراحة، والسفر من مكة إلى المدينة طويل يستغرق خمسة إلى سبعة أيام يستريح فيه النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مرة، والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر الناس بكتاب الله وأهل بيته وأنه يجب أن يكون لهم الاحترام

والتوقير والاتباع أيضا، ثم بعد ذلك نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما وقع بشأن علي رضي الله عنه فقال: « من كنت مولاه فعلي مولاه ».
ثالثا: دلالة كلمة مولاه.
قال ابن الأثير: المولى يقع على الرب، والمالك، والمنعم، وا لناصر، والمحب، والحليف، والعبد، والمعتق، وابن العم والصهر(1)، كل هذه تطلق العرب عليها كلمة « مولى ».
رابعا: الحديث ليس فيه دلالة على الإمامة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو أراد الخلافة لم يأت بكلمة تحتمل كل هذه المعاني التي ذكر ها ابن الأثير، ولكان الأولى أن يقول: « علي خليفتي من بعدي » أو « علي الإمام من بعدي »، أو « إذا أنا مت فاسمعوا وأطيعوا لعلي بن أبي طالب »، ولكن لم يأت النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة الفاصلة التي تنهي الخلاف إن وجد أبدا، وإنما قال: « من كنت مولاه فعلي مولاه »(2).
قال الله تبارك وتعالى: [فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين

________________________________
(1) « النهاية في غريب الحديث والأثر » (5/228).
(2) قال النوري الطبرسي أحد كبار علماء الشيعة: « لم يصرح النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بالخلافة بعده بلا فصل في يوم الغدير، وأشار إليها بكلام مجمل مشترك بين معان يحتاج إلى تعيين ما هو المقصود منها إلى قرائن » اهـ « فصل الخطاب ». (205/206).

كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير] {الحديد: 15}.
فسماها مولى لشدة الملاصقة والاتحاد مع الكفار والعياذ بالله.
خامسا: الموالاة وصف ثابت لعلي في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته وبعد وفاة علي رضي الله عنه، فعلي كان مو لى المؤمنين في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان مولى المؤمنين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مولى المؤمنين بعد وفاته رضي الله عنه، فهو الآن مولانا كما قال تبارك وتعالى: [إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون] {المائدة: 55}.
وعلي رضي الله عنه من رءوس الذين آمنوا.
سادسا: لو كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد الوالي لما قال: « مو لى »، ولكن يقول: « والي »، فكلمة « مولى » تختلف عن كلمة « والي »، فـ « الوالي » من الولاية وهي الحكم، أما « المولى » فهي من الولاية وهي الحب، والنصرة، قال الله تبارك وتعالى: [إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير] {التحريم: 4}. من المحبة والنصرة والتأييد.
قال الله تبارك وتعالى عن قوم إبراهيم عليه الصلاة والسلام:
[إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين] {آل عمران: 68}.

ولم يعن هذا أنهم هم الرؤساء على إبراهيم، بل هو إمامهم ورئيسهم.
* قال الإمام الشافعي عن حديث زيد: يعني بذلك ولاء الإسلام كما قال الله: [ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم] {محمد: 11}(1).
فالحديث لا يدل على أن عليا رضي الله عنه هو الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما يدل على أن عليا ولي من أولياء الله تبارك وتعالى، تجب له الموالاة وهي المحبة، والنصرة، والتأييد.

________________________________
(1) « النهاية في غريب الحديث والأثر » (5/228).