هل آية الولاية {ويؤتون الزكاة وهم راكعون} دليل على خلافة آل البيت؟

وهي قول الله تبارك وتعالى: [إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون] {المائدة: 55}.
ذكروا في تفسير هذه الآية حديثا عن علي رضي الله عنه أنه كان راكعا في الصلاة، فجاء فقير يسأل الصدقة، وقيل يسأل الزكاة فمد علي يده وفيها خاتم فأخذ الفقير الخاتم من يد علي رضي الله عنه فأنزل الله تبارك وتعالى الآية: [إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون]، قالوا: وما أعطى الزكاة وهو راكع إلا علي فصار هو الولي فهو الخليفة.
والرد من وجوه:
أولا: هذه القصة ليس لها سند صحيح ولم يثبت عن علي رضي الله عنه أنه تصدق بالخاتم وهو راكع، وهو غني عن مدحه بما لم يثبت ويكفيه ما مدحه الله عز وجل به وما مدحه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله تبارك وتعالى يقول: [قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون] {المؤمنون: 1- 2}.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: « إن في الصلاة لشغلا »
فكيف نرضى لعلي رضي الله عنه وهو من رؤوس الخاشعين وأئمتهم أن يتصدق وهو يصلي، أما كان يستطيع أن ينتظر حتى يقضي صلاته ثم يتصدق؟ بالطبع كان يستطيع ذلك، والأولى أن الإنسان يخشع في صلاته قدر ما يستطيع، ويؤخر مثل هذه الأمور إلى ما بعد الصلاة.
ثانيا: إن الأصل في الزكاة أن يبدأ بها المزكي لا أن ينتظر حتى يأتيه الطالب، فأيهما أفضل أن تبادر أنت بدفع الزكاة أو أن تجلس في بيتك وزكاتك عندك ثم تنتظر حتى يطرقوا عليك الباب فتعطيهم زكاة أموالك؟ لا شك أن الأول أفضل.
ثالثا: إن عليا رضي الله عنه كان فقيرا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك كان مهر فاطمة من علي رضي الله عنهما درعا فقط، لم يمهرها مالا؛ لأنه لم يكن له مال رضي الله عنه وأرضاه، كان فقيرا، ومثل علي لا تجب عليه الزكاة ولم تجب عليه الزكاة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
رابعا: هذه الآية ليس فيها مدح إعطاء الزكاة في حال الركوع، وإلا كان كل إنسان يمدح إذا دفع الزكاة وهو راكع ولصارت سنة، لأن الله مدح من يدفع الزكاة وهو راكع، فتكون السنة في دفع الزكاة أن يدفعها الإنسان وهو راكع وهذا لم يقل به أحد.
خامسا: ذكر الله تبارك وتعالى إقامة الصلاة وهي غير الأداء، لأن إقامة الصلاة كما يقول عبد الله بن عباس: هي أن يؤديها كما أداها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي على الكمال في الطهارة، في الأداء، في الركوع، في السجود، في الخشوع، في الذكر، في القراءة، وهذه هي الإقامة للصلاة.
وإذا كان كذلك فما سبب ذكر الركوع بعد ذكر إقامة الصلاة؟ لا شك أن المراد ركوع آخر.
المراد هو الخضوع لله تبارك وتعالى.
كما قال الله تبارك وتعالى عن داود عليه السلام: [وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب] {ص: 24}.
وهو قد خر ساجدا، وإنما سماه راكعا للذل والخضوع لله تبارك وتعالى.
وكما قال الله تبارك وتعالى: [وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون] {المرسلات: 48}.
أي: اخضعوا واستسلموا لأمر الله تبارك وتعالى.
وكذلك قال عن مريم: [يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين] {آل عمران: 43}. أي: اخضعي واخشعي لأمر الله تبارك وتعالى، فمريم كانت منقطعة للعبادة وهي ممن لا تجب عليها صلاة الجماعة، فليس مقصود الله تبارك وتعالى في هذه الآية أن الإنسان يستحب له أن يدفع الزكاة وهو راكع.
سادسا: سبب نزول هذه الآية أنه لما خانت بنو قينقاع الرسول صلى الله عليه وسلم ذهبوا إلى عبادة بن الصامت رضي الله عنه كما أخرج ذلك ابن جرير في تفسيره، وأرادوه أن يكون معهم فتركهم وعاداهم وتولى الله ورسوله، فأنزل الله جل وعلا الآية: [إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون] {المائدة: 55}(1).
أي: والحال أنهم خاضعون في كل شؤونهم لله تبارك وتعالى، ولذلك قال الله تبارك وتعالى في أول الآيات: [يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين] {المائدة: 51}.
يعني: عبد الله بن أبي بن سلول، لأنه كان مواليا لبني قينقاع، ولما حصلت الخصومة بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم والاهم ونصرهم ووقف معهم، وذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لهم، أما عبادة بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه فإنه تبرأ منهم وتركهم، فأنزل الله تبارك وتعالى: [يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض] ثم عقب تبارك وتعالى بذكر صفة المؤمنين وهو عبادة بن الصامت ومن اتبعه: [إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون].
فهذه الآية نزلت في عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
سابعا: إنه يستطيع كل أحد أن يقول مثل هذا الكلام.
فيستطيع محبو معاوية أن يقولوا: نزلت في معاوية.
وأن يأتوا بحديث مكذوب كما أتى غيرهم بحديث مكذوب عن علي.
ثم يأتي محبو عثمان فيقولون نزلت في عثمان، ويأتون أيضا بحديث مكذوب.
ثامنا: على فرض نزولها في علي فإنها لا تدل على الخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما تدل على أننا يجب أن نتولى علي بن أبي طالب، ونحن نتولاه رضي الله عنه وأرضاه.
تاسعا: الآية جاءت بلفظ الجمع، وعلي واحد، ونحن وإن كنانقول إنه يمكن أن يذكر الجمع ويراد به المفرد إلا أن الأصل أنه إذا أطلق الجمع أريد به الجمع إلا بقرينة ولا قرينة هنا.
عاشرا: ويقولون في قول الله تبارك وتعالى: [إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون].
للحصر فتبطل خلافة من سبق يعنون أبا بكر وعمر وعثمان. ونحن أولا أبطلنا أن تكون هذه الآية نزلت في علي رضي الله عنه، ثم لو فرضنا أن قوله إنما للحصر وهي تبطل خلافة أبي بكر وعمر وعثمان فهي أيضا – إذا كانت للحصر- تبطل خلافة الحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد الباقر، وجعفر وغيرهم.
حادي عشر: إن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بأنه متول على عباده أي أنه أمير عليهم بل هو خالقهم ورازقهم وربهم ومليكهم فكيف يكون معنى الآية؟
وكذا لا يقال ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو أجل من ذلك.