رسالة أبي بكر الصديق رضي الله عنهم للمرتدين بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم

حين رجع الصديق رضي الله عنه إلى المدينة، كتب لكل منهم كتابا، وهذه نسخته:
« بسم الله الرحمن الرحيم، من أبي بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى من بلغه كتابي هذا من عامة وخاصة، أقام على إسلامه أو رجع عنه، سلام على من اتبع الهدى ولم يرجع بعد الهدى إلى الضلالة والهوى، فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، نقر بما جاء به، ونكفر من أبى ذلك ونجاهده. أما بعد: فإن الله أرسل بالحق من عنده إلى خلقه بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين، فهدى الله بالحق من أجاب إليه، وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدبر عنه، حتى صار إلى الإسلام طوعا أو كرها، ثم توفى الله رسوله صلى الله عليه وسلم وقد نفذ لأمر الله، ونصح لأمته، وقضى الذي عليه، وكان الله قد بين له ذلك ولأهل الإسلام في الكتاب الذي أنزل فيه فقال: [إنك ميت وإنهم ميتون] {الزمر: 30}.
وقال: [وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون] {الأنبياء: 34}.
[وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا
وسيجزي الله الشاكرين]{آل عمران: 144}.
فمن كان يعبد محمدا صلى الله عليه وسلم فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، لا تأخذه سنة ولا نوم، حافظ لأمره، منتقم من عدوه، وإني أوصيكم بتقوى الله، وحظكم ونصيبكم، وما جاءكم به، وأن تهتدوا بهداه، وأن تعتصموا بدين الله، فإن كل من لم يهده الله ضال، وكل من لم يعنه الله مخذول، ومن هداه غير الله كان ضالا.
قال الله تعالى: [وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ذلك من آيات الله من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا] {الكهف: 17}، ولن يقبل له في الدنيا عمل حتى يقر به ولم يقبل له في الآخرة صرف ولا عدل، وقد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام، وعمل به، اغترارا بالله وجهلا بأمره، وإجابة للشيطان.
قال الله تعالى: [وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا]{الكهف: 50}.
وقال: [يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور] {فاطر: 5}.
وإني بعثت إليكم في جيش من المهاجرين والأنصار، والتابعين بإحسان، وأمرته أن لا يقبل من أحد إلا الإيمان بالله، ولا يقتله حتى يدعوه إلى الله عز وجل، فإن أجاب وأقر وعمل صالحا قبل منه، وأعانه عليه، وإن أبى حاربه عليه حتى يفيء إلى أمر الله، ثم لا يبقي على أحد منهم قدر عليه، وأن يحرقهم بالنار وأن يقتلهم كل قتلة، وأن يسبي النساء والذراري، ولا يقبل من أحد غير الإسلام، فمن اتبعه فهو خير له، ومن تركه فلن يعجز الله، وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابه في كل مجمع لكم، والداعية الأذان، فإذا أذن المسلمون فكفوا عنهم، وإن لم يؤذنوا فسلوهم ما عليهم، فإن أبوا عاجلوهم، وإن أقروا حمل منهم على ما ينبغي لهم »