هَلْ كَانَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم يَشْتَرِطُونَ لِقَبُولِ الحَدِيثِ النبوي شروطا خاصة؟

هَلْ كَانَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم يَشْتَرِطُونَ لِقَبُولِ الحَدِيثِ النبوي شروطا خاصة؟

١ – قال الحافظ الذهبي في ” تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ ” في ترجمة أبي بكر الصديق: «كَانَ أَوَّلُ مَنْ احْتَاطَ فِي قَبُولِ الأَخْبَارِ». ثم روى الذهبي من طريق ابن شهاب عن قبيصة أن الجدة جاءت إلى أبي بكر تلتمس أن تورث. قال: «مَا أَجِدُ لَكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْئًا، وَمَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ الْلَّهِ صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ لَكِ شَيْئًا»، ثُمَّ سَأَلَ النَّاسَ فَقَامَ المُغيرَةُ فَقَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّىَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِيهَا السُّدُسَ». فَقَالَ لَهُ: «هَلْ مَعَكَ أَحَدٌ؟» فَشَهِدَ مُحَمَّدٌ بْن مَسْلَمَةَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَأَنْفَذَهُ لَهَا أَبُو بَكْرٌ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -».

٢ – وَرَوَى أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الجَرِيرِي عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ أَبَا مُوسَى سَلَّمَ عَلَى عُمَرَ مِنْ وَرَاءِ البَابِ ثَلاَثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَرَجَعَ فَأرْسَلَ عُمَرُ فِي أَثَرِهِ فَقَالَ: ” لِمَ رَجَعْتَ؟ ” قَالَ: ” سَمِعْتُ رَسُول الله – صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يَقُولُ: «إِذَا سَلَّمَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثًا فَلَمْ يُجَبْ فَلْيَرْجِعْ». قَالَ: ” لتَأْتِينِيِ عَلَى ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَو لأَفْعَلَنَّ بِك

فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى مَمْتَقِعًا لَوْنُهُ وَنَحْنُ جُلُوسٌ، فَقُلْنَا: ” مَا شَأْنُكَ؟ ” فَأخْبرََنَا وَقَالَ: ” فَهَلْ سَمِع أَحَدٌ مِنْكُمْ؟ ” فَقُلْنَا: ” نَعَمْ كُلَّنَا سَمِعَهُ ” فَأَرْسَلُوا مَعَهُ رَجُلاً مِنْهُم حَتَّى أَتَى عُمَرَ فَأخْبرهُ»

٣ – وَرَوَى أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الْزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَهُمْ فِي إِمْلاَصِ المَرْأَةِ، فَقَالَ الْمُغِيرَةُ: قَضَى فِيهِ رَسُولُ اللهِ – صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِغُرَّةٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «إِنْ كُنْتَ صَادِقًَا فَائْتِ وَاحِدًا يَعْلَمُ ذَلِكَ». قَالَ: «فَشَهِدَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ – صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَضَىَ بِهِ».
٤ – وَرَوَى أَيْضًا بِسَنَدِهِ إِلَى أَسْمَاءَ بْنِ الحَكَمِ الْفَزَارِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – يَقُولُ: كنت إذا سمعت من رسول الله – صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حَدِيثًا، نفعني الله بما شاء أن ينفعني [مِنْهُ]. وَكَانَ إِذَا حَدَّثَنِي غَيْرُهُ اسْتَحْلَفْتُهُ فَإِذَا حَلَفَ صَدَّقْتُهُ، وَحَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٌ، – وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٌ – قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يقول: «مَا مِنْ عَبْدٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إِلاَّ غَفَرَ لَهُ» .

وقد فهم بعض الباحثين من هذه الآثار أن خِطَّةَ أبي بكر وعمر في الحديث ألاَّ يقبلا حَدِيثًا إلا ما رواه اثنان فأكثر، وأن خِطَّةَ عَلِيٍّ على تحليف الراوي، وانتقل هذا الفهم إلى كثير مِمَّنْ كتب في تاريخ التشريع الإسلامي وتاريخ السُنَّةِ في العصر الحديث، فأصبح عندهم قَضِيَّةً مُسَلَّمَةً لا يذكرون غيرها، وَمِمَّنْ ذهب إلى هذا أَسَاتِذَتُنَا الأَجِلاَّءُ مُؤَلِّفُو ” مذكرة تاريخ التشريع الإسلامي ” في كلية الشريعة بالأزهر، فقد ذكروا في ” باب شروط الأئمة للعمل بالحديث ” أن هذا كان شرط أبي بكر، وعمر، وَعَلِيٍّ، للعمل بالحديث.

والواقع أن بناء هذه القاعدة أو النظرية على تلك الآثار خطأ علمي تَرُدُّهُ الآثار الأخرى التي تشهد بأن عمر أخذ بأحاديث لم يروها له إلا رَاوٍ واحد، وأن عَلِيًّا قَبِلَ حديث بعض الصحابة دُونَ أن يستحلفه، وأن أبا بكر رُوِيَ عنه مثل ذلك.

وإليكم هذه الآثار:

١ – أخرج ” البخاري ” و” مسلم ” مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ – أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ، فَلَمَّا جَاءَ بِـ «سَرْغَ» بَلَغَهُ أَنَّ الوَبَاءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّأْمِ – فَأَخْبَرَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَنَّ [رَسُولَ اللَّهِ] صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ [فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ] وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» فَرَجَعَ عُمَرُ مِنْ «سَرْغَ». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: «وَأَخْبَرَنَا سَالِمٌ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ إِنَّمَا انْصَرَفَ بِالنَّاسِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ».

٢ – وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: «الدِّيَةُ لِلْعَاقِلَةِ، وَلاَ تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا شَيْئًا، حَتَّى أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ مِنْ دِيَتِهِ»، فَرَجَعَ إِلَيْهِ عُمَرُ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

٣ – وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ عُمَرَ قَالَ: ” أُذَكِّرُ اللَّهَ امْرَءًا سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الجَنِينِ شَيْئًا “، فَقَامَ حَمَلُ بْنُ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ فَقَالَ: «كُنْتُ بَيْنَ جَارَتَيْنِ لِي، يَعْنِي ضَرَّتَيْنِ، فَضَرَبَتْ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى بِمِسْطَحٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِغُرَّةٍ» (وهي العبد أو الأَمَةُ)، فَقَالَ عُمَرُ: ” لَوْ لَمْ نَسْمَعْ هَذَا لَقَضَيْنَا فِيهِ بِغَيْرِ [هَذَا] “.

٤ – وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ذَكَرَ الْمَجُوسَ، فَقَالَ: «مَا أَدْرِي كَيْفَ أَصْنَعُ فِي أَمْرِهِمْ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: [أَشْهَدُ] لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ» .

5 – وعمل عمر أيضاً بخبر سعد بن أبي وقاص في المسح على الخفين.

6 – وأراد عمر رجم مجنونة حتى أُعْلِمَ بقول رسول الله – صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ» فأمر ألاَّ تُرْجَمَ .

هذه الآثار مستفيضة صحيحة رواها الأئمة الأثبات. وفيها ما يدل دلالةً لا تقبل الجدال أن عمر – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – أخذ بحديث رواه صحابي واحد دُونَ توقف أو تشكك، وهي في العدد أكثر من تلك التي روت أنه طلب راوياً آخر ولا تقل في الصحة والثبوت عنها، ولما كان عمل الصحابة جميعاً على الاكتفاء بخبر صحابي واحد، كان لا بد من تأويل ما روي عن عمر مُخَالِفاً لعمله في الروايات الأخرى،