هل وجود المنافقين في عهد الصحابة رضي الله عنهم يطعن في عدالتهم؟

هل وجود المنافقين في عهد الصحابة رضي الله عنهم يطعن في عدالتهم؟

هل وجود المنافقين في عهد الصحابة رضي الله عنهم يطعن في عدالتهم؟

يرد على هذا الاعتراض ما يلي:

1- أن المنافقين غير معدودين في الصحابة – كما سبق- . قال ابن حزم في “الإحكام” (5/89) :” أما الصحابة رضي الله عنهم فهو كل من جالس النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة ، وسمع منه ولو كلمة فما فوقها ، أو شاهد منه عليه السلام أمرا يعيه ، ولم يكن من المنافقين الذين اتصل نفاقهم واشتهر ، حتى ماتوا على ذلك … ” انتهى .

2- أن المنافقين كانوا قلة ذليلة معروفة بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يوجد منافق واحد منهم عدّه أهل العلم في الصحابة ، ويدل على ذلك قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن صلاة الجماعة :” وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ “. أخرجه مسلم في “صحيحه” (654) ، وقد عُرفوا أكثر وافتضحوا بعد تخلفهم عن غزوة تبوك ، ونزول سورة التوبة في شأنهم ، ولذلك قال كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة تخلفه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :” فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَطُفْتُ فِيهِمْ ، أَحْزَنَنِي أَنِّي لاَ أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ “. أخرجه البخاري (4418) ، ومسلم (2769) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في “منهاج السنة النبوية” (8/474) :

” ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُنَافِقٌ .

وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا قَلِيلِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ ، وَأَكْثَرُهُمُ انْكَشَفَ حَالُهُ لَمَّا نَزَلْ فِيهِمُ الْقُرْآنُ وَغَيْرُ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يعْرِفُ كُلًّا مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ ، فَالَّذِينَ بَاشَرُوا ذَلِكَ كَانُوا يَعْرِفُونَهُ.

وَالْعِلْمُ بِكَوْنِ الرَّجُلِ مُؤْمِنًا فِي الْبَاطِنِ ، أَوْ يَهُودِيًّا ، أَوْ نَصْرَانِيًّا ، أَوْ مُشْرِكًا : أَمْرٌ لَا يَخْفَى مَعَ طُولِ الْمُبَاشَرَةِ ، فَإِنَّهُ مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إِلَّا أَظْهَرَهَا اللَّهُ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ ، وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ. وَقَالَ تَعَالَى: وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 30] ، وَقَالَ: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [سُورَةُ مُحَمَّدٍ: 30] .

فَالْمُضْمِرُ لِلْكُفْرِ لَا بُدَّ أَنْ يُعْرَفَ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ، وَأَمَّا بِالسِّيمَا فَقَدْ يُعْرَفُ وَقَدْ لَا يُعْرَفُ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ [سُورَةُ الْمُمْتَحَنَةِ: 10] ” انتهى .

وقال المعلمي اليماني في “الأنوار الكاشفة” (ص278) :” وفي الصحيح في حديث كعب بن مالك وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا:” فكنت إذا خرجت إلى الناس بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم فطفت فيهم: أحزنني أني لا أرى إلا رجلاً مغموصاً عليه النفاق، أو رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء”. وفي هذا بيان أن المنافقين قد كانوا معروفين في الجملة قبل تبوك ، ثم تأكد ذلك بتخلفه لغير عذر وعدم توبتهم ، ثم نزلت سورة براءة فقشقشتهم .

وبهذا يتضح أنهم قد كانوا مشارًا إليهم بأعيانهم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ” انتهى .

3- أنه لم يرو منافق قط حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال المرداوي في “التحبير شرح التحرير” (4/1995) :” قَالَ الْحَافِظ الْمزي: من الْفَوَائِد أَنه لم يُوجد قطّ رِوَايَة عَمَّن لمز بالنفاق من الصَّحَابَة – رَضِي الله عَنْهُم ” انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في “منهاج السنة النبوية” (8/474) :” وَالصَّحَابَةُ الْمَذْكُورُونَ فِي الرِّوَايَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالَّذِينَ يُعَظِّمُهُمُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الدِّينِ : كُلُّهُمْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِهِ ، وَلَمْ يُعَظِّمِ الْمُسْلِمُونَ -وَلِلَّهِ الْحَمْدُ -عَلَى الدِّينِ مُنَافِقًا ” انتهى .