عدالة الصحابة رضي الله عنهم هي الأساس في نقل الحديث النبوي
أولاً :أصح ما قيل في تعريف الصحابي ، هو ما اختاره الحافظ ابن حجر رحمه الله في “الإصابة في تمييز الصحابة” (1/158) حيث قال :” وأصحّ ما وقفت عليه من ذلك أن الصحابيّ: من لقي النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلم مؤمنا به ، ومات على الإسلام “انتهى .
وبناءً على هذا ؛ فالمنافقون نفاقا أكبر، في حقيقة الأمر : ليسوا من الصحابة ، لأنهم لم يكونوا مؤمنين بالنبي صلى الله عليه وسلم .
والصحابة جميعا عدول لتعديل الله لهم ، وتعديل النبي صلى الله عليه وسلم لهم ، حيث قال الله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة/100 ، وقال الله تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) البقرة/143.
وقال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) آل عمران/110 .
وأول من يدخل من ذلك هم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه خير الأمة ، وخير الناس ، كما تواتر الحديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وقد انعقد إجماع العلماء على ذلك .
قال ابن الصلاح في “علوم الحديث” (ص171) :” إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة. ومن لابس الفتن منهم : فكذلك ؛ بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع ، إحسانا للظن بهم، ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر ، وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة ” انتهى .
وقال ابن عبد البر رحمه الله : “فهم خير القرون ، وخير أمة أخرجت للناس ، ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل وثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته ، ولا تزكية أفضل من ذلك ، ولا تعديل أكمل منها” انتهى من “الاستيعاب في معرفة الأصحاب” (1/3) .
وقال النووي رحمه الله : “الصحابة كلهم عدول، من لابس الفتنة وغيرهم، بإجماع من يعتد به” .
“التقريب والتيسير” (ص92) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : “اتفق أهل السنة على أن الجميع – أي الصحابة- عدول ، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة” انتهى من “الإصابة في تمييز الصحابة” (1/10).
ثانيا :
ليس المقصود بعدالة الصحابة أنهم معصومون من الذنوب ، فهذا لم يقل به أحد من العلماء ، فقد تقع من بعضهم الهفوات والزلات ، الصغائر أو الكبائر ، ولكن المقصود بعدالتهم هو تمام الثقة بأقوالهم وأخبارهم ، فلا يتعمدون الكذب في شهادتهم ، ولا في أخبارهم ، ولا يتعمدون الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم.
قال المرداوي في “التحبير شرح التحرير” (4/1994) :” لَيْسَ المُرَاد بكونهم عُدُولًا الْعِصْمَة لَهُم ، واستحالة الْمعْصِيَة عَلَيْهِم ، إِنَّمَا المُرَاد أَن لَا نتكلف الْبَحْث عَن عدالتهم ، وَلَا طلب التَّزْكِيَة فيهم “انتهى .
وقال الخطيب البغدادي في “الكفاية في علم الرواية” (ص46) :” عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم ، وإخباره عن طهارتهم ، واختياره لهم في نص القرآن فمن ذلك …”
ثم ساق عددا من الأدلة ثم قال : ” والأخبار في هذا المعنى تتسع ، وكلها مطابقة لما ورد في نص القرآن ، وجميع ذلك يقتضى طهارة الصحابة ، والقطع على تعديلهم ونزاهتهم ، فلا يحتاج أحد منهم ، مع تعديل الله تعالى لهم ، المطلع على بواطنهم : إلى تعديل أحد من الخلق له ؛ فهو على هذه الصفة ، إلا أن يثبت على أحد ارتكاب ما لا يَحتمل إلا قصد المعصية ، والخروج من باب التأويل ، فيحكم بسقوط العدالة ؛ وقد برأهم الله من ذلك ، ورفع أقدارهم عنه .
على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه ، لأوجبت الحال التي كانوا عليها ، من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال ، وقتل الآباء والأولاد ، والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطعَ على عدالتهم ، والاعتقاد لنزاهتهم ، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيئون من بعدهم ، أبد الآبدين .
هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء ” انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في ” منهاج السنة ” ( 1/306-307): “الصحابة يقع من أحدهم هنات، ولهم ذنوب، وليسوا معصومين .
لكنهم : لا يتعمدون الكذب، ولم يتعمد أحد الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم إلا هتك الله ستره” انتهى .
وقال الدكتور عماد الشربيني في كتابه “عدالـة الصحابـة رضى الله عنهم في ضوء القرآن الكريم السنة النبوية ودفع الشبهات” :
“ومعنى عدالة الصحابة : ” أنهم لا يتعمدون الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما اتصفوا به من قوة الإيمان، والتزام التقوى، والمروءة، وسمو الأخلاق والترفع عن سفاسف الأمور0
وليس معنى عدالتهم أنهم معصومون من المعاصي ، أو من السهو أو الغلط ؛ فإن ذلك لم يقل به أحد من أهل العلم .
ومما ينبغى أن يعلم أن الذين قارفوا إثماً ، ثم حُدُّوا – كان ذلك كفارة لهم – وتابوا ، وحسنت توبتهم .
ويؤكد ما سبق الإمام الأبيارى المالكي (توفي سنة 618ه ) بقوله : وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم ، واستحالة المعصية عليهم ، وإنما المراد : قبول روايتهم من غير تكلف بحث عن أسباب العدالة وطلب التزكية ، إلا أن يثبت ارتكاب قادح ، ولم يثبت ذلك ولله الحمد !
فنحن على استصحاب ما كانوا عليه فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى يثبت خلافه ، ولا التفات إلى ما يذكره أهل السير، فإنه لا يصح ، وما صح فله تأويل صحيح ” انتهى .
وينظر: فتح المغيث للسخاوى3/96، والبحر المحيط للزركشى 4/300، وإرشاد الفحول 1/278.