الإمام ابن الهمام وبيانه لفضل الصحابة رضي الله عنهم ومكانة الخلفاء الراشدين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

قال ابن الهمام رحمه الله تعالى في كتاب المسايرة: وفضل الصحابة الأربعة على حسب ترتيبهم في الخلافة: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم. إذ حقيقة الفضل ما هو فضل عند الله تعالى، وذلك لا يطلع عليه إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بإطلاع الله تعالى. وقد ورد عنه ثناؤه عليهم كلهم، ولا يتحقق إدراك حقيقة تفضيله عليه الصلاة والسلام لبعضهم على بعض إلا الشاهدون لذلك الزمان زمان الوحي والتنزيل وأحوال النبي – صلى الله عليه وسلم – معهم وأحوالهم معه لظهور قرائن الأحوال الدالة على التفضيل لهم دون من لم يشهد ذلك. ولكن قد وصل إلينا سمعيات ثبت ذلك التفضيل بها لنا صريحا من بعضها ودلالة واستنباطا من بعضه كما في صحيح البخاري ومسلم من حديث عمرو بن العاص حين سأل النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: قلت أي الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة» فقلت: من الرجال؟ فقال: «أبوها» قلت: ثم من؟ قال: «عمر بن الخطاب»، فعدّ رجالا. وتقديمه في الصلاة على ما قدمناه، مع أن الاتفاق واقع على أن السنة أن يتقدم على القوم أفضلهم علما وقراءة وخلقا وورعا، فثبت بمجموع ما ذكر أنه كان أفضل الصحابة رضي الله عنهم.

وصح من حديث ابن عمر في صحيح البخاري قال: كنا في زمن النبي – صلى الله عليه وسلم – لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – لا نفاضل بينهم. وصح في البخاري أيضا من حديث محمد بن الحنفية: قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر، وخشيت أن يقول عثمان قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا واحد من المسلمين.

فهذا على نفسه مصرح بأن أبا بكر أفضل الناس. وأفاد بعض ما ذكرنا تفضيل أبي بكر وحده على الكل وفي بعضه ترتيب الثلاثة في الفضل. ولما أجمع الصحابة رضي الله عنهم على تقديم علي بعد الثلاثة دل على أنه كان أفضل من بحضرته من الصحابة أي من كان موجودا منهم وقت تقديمه، وكان منهم الزبير وطلحة، فثبت أنه كان أفضل الخلق بعد الثلاثة. هذا واعتقاد أهل السنة تزكية جميع الصحابة والثناء عليهم كما أثنى سبحانه وتعالى عليهم إذ قال: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} وسطا أي عدولا خيارا، والصحابة هم المشافهون بهذا الخطاب على لسان النبي – صلى الله عليه وسلم – حقيقة. وقال تعالى: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} وكذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – روي عنه: “أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم” رواه الدارمي وابن عدي وغيرهما.

وقال – صلى الله عليه وسلم – في حديث الصحيحين: «لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدا أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» وفي رواية الترمذي: «لو أنفق أحدكم» وقال – صلى الله عليه وسلم -: «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم» أخرجه الشيخان. وما جرى بين معاوية وعلي رضي الله عنهما من الحروب بسبب طلب تسليم قتلة عثمان رضي الله عنه كان مبنيا على الاجتهاد لا منازعة من معاوية رضي الله عنه إذ ظن علي رضي الله عنه أن تسليم قتلة عثمان مع كثرة عشائرهم واختلاطهم بالعسكر يؤدي إلى اضطراب أمر الإمامة العظمى خصوصا في بدايتها فرأى التأخير أصوب إلى أن يتحقق التمكن ويلتقطهم فإن بعضهم عزم على الخروج على علي وقتله لما نادى يوم الجمل بأن يخرج عنه قتلة عثمان على ما نقل في القصة من كلام الأشتر النخعي إن صح ذلك والله أعلم. انتهى كلامه رحمه الله.