البيعة للحسن بن علي رضي الله عنه بالخلافة والصلح مع معاوية رضي الله عنه

البيعة للحسن بن علي رضي الله عنه بالخلافة والصلح مع معاوية رضي الله عنه
عقب استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه سنة أربعين للهجرة، اجتمع أهل الكوفة على بيعة ابنه الحسن بن علي، فبايعوه بالخلافة، إذ كان أقرب الناس إلى الفضل والسابقة، وأهلًا لها علمًا ودينًا وقرابةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد نهض الحسن بالأمر، وسعى لتثبيت الخلافة، إلا أن واقع الأمة حينها كان مليئًا بالاضطراب والانقسام، ولم يكن أهل الشام قد بايعوه، بل كانوا لا يزالون مجتمعين على طاعة معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، والي الشام في عهد عمر وعثمان رضي الله عنهما، وصاحب النفوذ الكبير في تلك الجهة.

إرادة الصلح ونبذ القتال:
منذ اللحظة الأولى لحمله لأمانة الخلافة، كان الحسن بن علي ميالًا إلى جمع الكلمة وتوحيد الصف، كارهًا لإراقة الدماء. وقد نقل عن بعض السلف أنه كان مخالفًا لأبيه علي في الخروج لقتال أهل الشام، كما جاء في “مصنف عبد الرزاق” (5/462).

وقد ظهر ميله للصلح في مواقفه العملية، ومن ذلك عزله لقيس بن سعد بن عبادة من قيادة الجيش، وتولية عبد الله بن عباس مكانه، لما عرف عنه من الحكمة وسعة الأفق.

قال الحسن البصري: لما سار الحسن بن علي إلى معاوية بالكتائب، قال عمرو بن العاص لمعاوية: “أرى كتيبة لا تولي حتى تدبر آخرها”.
قال الحسن البصري: وسمعت أبا بكرة يقول: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إذ جاء الحسن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين” (صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب الحسن والحسين، حديث رقم 3746).

عرض الصلح وتنازله عن الخلافة:
ذكر الزهري أن معاوية أرسل إلى الحسن سجلًا مختومًا في أسفله وقال له: “اكتب فيه ما شئت فهو لك”، أي أنه فوض إليه شروط الصلح. فاعترض عمرو بن العاص قائلاً: “بل نقاتله”، فقال له معاوية: “على رسلك يا أبا عبد الله، فإنك لا تخلص من قتل هؤلاء حتى يُقتل عددهم من أهل الشام، فما خير الحياة بعد ذلك؟”
قال الزهري معلقًا: “وكان خير الرجلين” (تاريخ الإسلام للذهبي، حوادث سنة 41 هـ).

فانتهى الأمر إلى أن التقى الحسن بمعاوية، وتنازل له عن الخلافة رغبةً في حقن الدماء، وحرصًا على وحدة الصف، فدخل الناس في طاعة واحدة، وسُمي ذلك العام بـ”عام الجماعة”، وهو من أعظم مناقب الحسن رضي الله عنه.

وقد حكم الحسن بن علي رضي الله عنه ستة أشهر فقط، وهي المدة التي أكملت بها مدة الخلافة الراشدة، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“الخلافة بعدي ثلاثون سنة، ثم تكون ملكًا” (أبو داود، السنن، 4646. صححه الألباني).