المرويات الحديثية لأمهات المؤمنين حفصة وأم حبيبة وزينب بنت جحش رضي الله عنهن

كانت أمهات المؤمنين جميعًا منارات للعلم ونقل السنة، وقد حفظن للأمة جانبًا عظيمًا من حياة النبي ﷺ الخاصة والعامة. ومن بينهن برزت ثلاث راويات جليلات هن: حفصة بنت عمر بن الخطاب، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وزينب بنت جحش رضي الله عنهن، وهن من الراويات اللاتي نقلن عددًا معتبرًا من الأحاديث النبوية، وتلقت الأمة مروياتهن بالقبول والثقة.

فأما أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها، فكانت من النساء الفاضلات اللواتي أسلمن مبكرًا، وهاجرت إلى الحبشة ثم تزوجها النبي ﷺ هناك، فصارت من أمهات المؤمنين. وقد روت عن النبي ﷺ خمسةً وستين حديثًا (65) كما ذكر ابن الجوزي في تلقيح فهوم الأثر، وهو ما أكده الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء[1]. وقد اتفق البخاري ومسلم على حديثين منها، وتفرد مسلم بحديثين آخرين.
وتنوّعت مروياتها بين أحاديث في العقيدة والعبادات والأدعية، ومن أشهرها حديثها في الدعاء المأثور: «اللهم متّعني بزوجي رسول الله، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية»، الذي يعبّر عن عمق إيمانها ووفائها لرسول الله ﷺ وأهلها. وقد روت عنها عدد من التابعين، منهم ابنها حبيب بن أبي سفيان، وعبد الله بن عتبة، وغيرهما.

وأما حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها، فهي زوج النبي ﷺ وابنة الفاروق، وقد جمع الله لها بين شرف النسب والمصاهرة. كانت من العابدات القانتات، عُرفت بحفظها لكتاب الله تعالى، فقد أودع عندها المصحف الذي جمعه أبو بكر بعد وفاة النبي ﷺ بأمر من عمر رضي الله عنهما، فكانت أمينة على الوحي وحافظة له.

أما في مجال الحديث، فقد روت حفصة ستين حديثًا (60) كما ذكر ابن حزم في أسماء الصحابة الرواة، وذكر الذهبي أن سندها في مسند بقي بن مخلد بلغ ستين حديثًا كذلك[2].

واتفق لها البخاري ومسلم على أربعة أحاديث، وانفرد مسلم بستة أحاديث أخرى، كما روى لها الإمام أحمد في مسنده أربعة وأربعين حديثًا تبدأ بالرقم (26485) وتنتهي بالرقم (26529/10)[3].
وقد تناولت مروياتها أحكامًا فقهية تتعلق بالصيام والعبادات، ومن أشهرها حديثها عن النبي ﷺ: «من لم يُجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له»، وهو حديث يدل على دقتها في النقل ومتابعتها لأحوال النبي ﷺ في بيته.

أما زينب بنت جحش رضي الله عنها، فهي من أكرم نساء النبي ﷺ نسبًا وخلقًا، وكانت مثلاً في العبادة والإنفاق، حتى لُقبت بأم المساكين لكثرة عطائها. وقد روت أحد عشر حديثًا (11) كما ذكر ابن حزم وابن الجوزي[4]، ووردت مروياتها في مسند الإمام أحمد برقم (26813–26816/10) و(27483–27486/10)، كما رواها الترمذي (2187)، والنسائي (3500)، وابن حبان (827)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/93)، والبغوي في شرح السنة (4201)[5].

ومن أبرز مروياتها حديثها في صدقة النساء، وحديثها في فضل التوبة والاستغفار، وهي أحاديث تحمل معاني روحية سامية تعبّر عن عمق إيمانها وتقواها.

________________________________________

الهامش:
ابن الجوزي، تلقيح فهوم الأثر، ص365؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج2، ص208.
ابن حزم، أسماء الصحابة الرواة، ص75؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج2، ص227.
أحمد بن حنبل، المسند، رقم (26485–26529/10)؛ عرفان العشا، نساء في ظل رسول الله، ص124.
ابن حزم، أسماء الصحابة الرواة، ص153؛ ابن الجوزي، تلقيح فهوم الأثر، ص369.
الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج2، ص238؛ البغوي، شرح السنة، رقم (4201).