المرويات الحديثية لأمهات المؤمنين: صفية وجويرية وسودة رضي الله عنهن

لقد كان لأمهات المؤمنين جميعًا فضل عظيم في حفظ سنة النبي ﷺ ونقلها إلى الأمة، كلٌّ بحسب ما هيّأ الله لها من المقام والمكانة والظرف. ومن بينهن ثلاث من أمهات المؤمنين اللواتي لم تُكثرن الرواية، لكن ما نقلنه كان على قِلّته عظيم الأثر، وموثوق السند، وداخلًا في دواوين الإسلام الكبرى، وهن: صفية بنت حيي بن أخطب، وجويرية بنت الحارث، وسودة بنت زمعة رضي الله عنهن أجمعين.

فأما صفية بنت حيي بن أخطب رضي الله عنها، فهي من أمهات المؤمنين الفاضلات، تزوجها النبي ﷺ بعد غزوة خيبر، فكانت مثالًا للعفّة والإيمان والتقوى. وقد نقلت عن رسول الله ﷺ عشرة أحاديث (10)، منها حديث واحد متفق عليه كما ذكر الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء[1].
وقد وردت أحاديثها في الصحيحين، منها ما رواه البخاري برقم (2035)، ومسلم برقم (2175)، كما أوردها الإمام أحمد في مسنده بالأرقام (26927/10) و(26929/10)[2].

ورغم قلّة مروياتها، فإنها كانت دقيقة في النقل، واعتمدها المحدثون في أبواب متعلقة بفضائل النبي ﷺ وأحواله مع أزواجه، ومن أبرز رواياتها ما تضمنته من مواقف إنسانية نبيلة تُبرز عدله ﷺ ورحمته. وقد قال الذهبي في وصفها: «كانت من خيار النساء، عاقلة، عابدة، حليمة»[3].

وأما جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار رضي الله عنها، فهي من بنات زعماء العرب، أسلمت بعد وقعة المريسيع، وتزوجها النبي ﷺ، فكان زواجه بها سببًا في إسلام قومها بني المصطلق. وقد روت سبعة أحاديث (7) عن النبي ﷺ كما ذكر ابن حزم وابن الجوزي، وهو ما أكّده الإمام الذهبي بقوله: «جاء لها سبعة أحاديث، منها عند البخاري حديث، وعند مسلم حديثان»[4].
وروى لها الإمام أحمد في المسند (26817–26820/10) أحاديث أخرى لم ترد في الصحيحين[5].

وتُعد مروياتها من الأحاديث التي تتصل بأعمال العبادة والذكر، ومن أشهرها حديثها في فضل التسبيح: «لقد قلت بعدك أربع كلمات، لو وُزنت بما قلتِ منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته»، وهو من الأحاديث الجليلة التي تفيض بمعاني التوحيد.

أما سودة بنت زمعة رضي الله عنها، فهي من أوائل من تزوجهن النبي ﷺ بعد وفاة خديجة رضي الله عنها، وقد عُرفت بالزهد والكرم وصدق الإيمان.
روت سودة خمسة أحاديث (5) كما ذكر ابن حزم وابن الجوزي[6]، وروى لها البخاري في صحيحه (6686، 6749)، ومسلم (1457)، وأوردها الإمام أحمد في المسند (27487–27489/10)، كما رواها النسائي في السنن برقم (3485).

وقد جاءت أحاديثها في مسائل العبادات والمعاشرة الزوجية وأحكام الطلاق، مما يدل على متابعتها الدقيقة لحياة النبي ﷺ اليومية. وكان الصحابة والتابعون يجلّونها لما رأوا من صدقها وزهدها.

ومع أن روايات هؤلاء الأمهات الثلاث أقل عددًا من مرويات غيرهن من أمهات المؤمنين، إلا أن قيمتها العلمية والحديثية باقية، إذ وردت في الصحاح والمسانيد، وتناقلها العلماء في كتب التخريج والجرح والتعديل، مما يدل على عدالتهم وثقتهم.

———————————————————————————————–

الهامش:
الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج2، ص238.
أحمد بن حنبل، المسند، رقم (26927–26929/10).
الذهبي، تذكرة الحفاظ، ج1، ص62.
ابن حزم، أسماء الصحابة الرواة، ص371؛ ابن الجوزي، تلقيح فهوم الأثر، ص371؛ الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج2، ص263.
عرفان العشا، نساء في ظل رسول الله، ص200.
ابن حزم، أسماء الصحابة الرواة، ص222؛ ابن الجوزي، تلقيح فهوم الأثر، ص372.