قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعدل مع ابنته فاطمة رضي الله عنها

الحمد لله وبعد: 

فمن نماذج عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيامه بالعدل مع ابنته فاطمة رضي الله عنها، فمن ذلك ما روي عن   عَائِشَةَ – رضي الله عنها – زَوْجِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم -، أَنَّ قُرَيْشَاً أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَرَقَتْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -، فَأُتِيَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -، فَكَلَّمَهُ فِيهَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ، فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ»؟ فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ.

فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -، فَاخْتَطَبَ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَإِنِّي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».

وقد دلَّت الأحاديث السابقة على قيام نبينا – صلى الله عليه وسلم – بالعدل الذي قامت عليه السماوات والأرض؛ امتثالاً لقول اللهِ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} (سورة النحل، آية (٩٠) (، فمَعَ حبِّه – صلى الله عليه وسلم – لابنتِه فاطمة – رضي الله عنها – وأنها ابنته الصغرى، إلا أنه يُقسِم باللَّهِ ـ وهو الصَّادقُ المَصدُوق ــ: «أن فاطمة لو سرقَتْ لقطعتُ يدها»! قالها مبالغة في إثبات الحدود وتطبيقها.

فلا محاباة في دين اللَّهِ لأحد، والشرع يُطبَّقُ على الكبير والصغير، وبيَّن – صلى الله عليه وسلم – أنَّ سبب هلاك الأمم السابقة حينما ميزت الناس في تطبيق العدل، فيطبق على الوضيع، ويترك الشريف، ثم أقسم بقيامه على ابنته فاطمة بالعدل كغيرها.

قال ابن تيمية – رحمه الله -: (وكان بنو مَخزوم من أشرف بطون قريش، واشتدَّ عليهم أنْ تُقطع يدُ امرأةٍ منهم، فبيَّن النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – أنَّ هلاك بني إسرائيل، إنما كان في تخصيص رؤساء الناس بالعفو عن العقوبات، وأخبر أنَّ فاطمة ابنته ــ التي هي أشرفُ النساء ــ لو سَرَقَتْ ــ وقد أعاذها اللُّهُ مِن ذلك ــ، لقَطَعَ يدَهَا؛ لِيُبَيِّنَ: أنَّ وجوبَ العدل والتعميم في الحدود، لا يُستثنى منه بنتُ الرسول، فضلاً عن بنتِ غيره).

وقال ابن حجر – رحمه الله -: (وإنما خَصَّ – صلى الله عليه وسلم – فاطمةَ ابنتَه بالذِّكر؛ لأنها أعزُّ أهلِه عندَه، ولأنه لم يبقَ من بنَاتِه حينئذٍ غيرُها (١)، فأراد المبالغة في إثبات إقامةِ الحَدِّ على كلِّ مُكلَّفٍ، وتَركِ المحابَاةِ في ذلك؛ ولأن اسم السارقة وافَقَ اسمَها – عليها السلام -؛ فناسَب أن يَضرِبَ المثلَ بها).

والحمد لله رب العالمين.