غيرة النبيّ صلى الله عليه وسلم على ابنته فاطمة رضي الله عنها

كان النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – يغارُ على بناتِه كلِّهم ، وإنما ورد النصُّ على فاطمة في الحديث ؛ لأنَّ عليَّ خَطب عليها ، فتكلَّم النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – ، ووَقْتُ كلامِه لم يَكُن بَقِي من بناته إلا فاطمة – رضي الله عنها – ، وفاللون الخِطبَ والخُطبةَ بعدان ، سنة (٩ هـ ) .

عن المِسْوَر بنِ مَخرمَةَ ، قال: إنَّ علي خطبَ بنتَ أبي جَهْل فسَمِعَتْ هكذا فاطمةُ – رضي الله عنهم – فأتَتْ رسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – أبيالت: يَمن قوم ،بنكَ رَبنَ رََغْضُ لِبِ رَبنَ رََغْضِكِ رَبنَ رَبَغْضُ لِبِ رَبَتَه. ولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ، فسمعتُه حين تَشهَّد ، يقول: «أما بعد ، أنكحتُ أبا العاص بنَ الربيع ، فحَدَّثَنِي وصدَقَنِي ، وإنَّ فاطمةَ بَضْعةٌ مِنِّي ، وإني أكرَهُ أن يسُوءَها، واللَّهِ لا تَجتَمِعُ بنتُ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – وبنتُ عدوِّ اللَّهِ عندَ رجُلٍ واحِد». فتَركَ عليٌّ الخِطْبَة.

وزاد محمد بنُ عَمْرِو بن حَلْحَلَة، عن ابن شِهاب، عن علي بن الحسين، عن مِسْور سمعتُ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – وذكر صهراً له من بني عبدِ شَمْس، فأثنَى عليه في مُصَاهَرَتِه إيَّاه فأحسن، قال: «حدَّثَنِي فصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوفَى لي». متفق عليه ــ واللفظ للبخاري ــ.

وفي لفظ للبخاري: «فاطمةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فمَن أغضبَها أغضبَني».

وفي لفظ لمسلم: «إنما فاطمةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، يُؤذيني ما آذاها».

ولهما: «إنَّ بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتَهم عليَّ بنَ أبي طالب، فلا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، ثم لا آذن لهم، إلا أن يُحبَّ ابنُ أبي طالب أن يطلِّق ابنتي وينكح ابنتَهم، فإنما ابنتي بَضْعَةٌ مني، يَريبني ما رابها، ويُؤذيني ما آذاها».

لفظُ مسلم، والبخاري بمثله إلا أنه قال: إلا أن يريد أن يُطلِّق وقال: أرَابَها.

ولهما ـ أيضاً ـ: قال: «إنَّ فاطمة منِّي، وإني أتخوَّف أن تُفتَنَ في دينها». (٢)

ثمَّ ذكرَ صهراً له من بني عبد شمس ، فأثنى عليه في مصاهرته إيَّاه فأحسن ، قال: «حدَّثني فصدَقَني ، ووعدَني فأوْفَى لي ، وإني لستُ أحرِّم حلالاً ، ولا أُحِلُّ حرَامَاً ، ولكِنْ واللَّهِ ، تجتمعُ بنتُ رسُولِ اللَّهِ – تجتمع عليه بنتُ رسُولِ اللَّهِ – صوسه ، عدوِّ اللَّهِ مَكاناً واحِدَاً أبداً » .

والمرأة التي خطبَها عليٌّ – رضي الله عنه -: هي جُويريةُ بنتُ أبي جهل – رضي الله عنها – ويقال: العوراءُ بنتُ أبي جهل ـ والعورَاءُ لقبُها ـ ، فترك الخِطبة. (١)

بوَّب البخاري في «صحيحه» الحديث في كتاب النكاح: باب ذبِّ الرجل عن ابنته في الغَيرَة والإنصاف.

وقد روي أنه – صلى الله عليه وسلم – يغار لبناته بالغيرة ، قال ابن إسحاق: (حدثني مَن لا أتَّهِم رقيقة رسولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – كان يغارُ لبناته غَيْرَةً شَدِيدة ، وكان لاينِحِ بناتِه على ضَرَّة) .

وما دام الضرورة على بناته تؤذي ابنتَه ، يبدو أنه يَتأذَّى منه مما تتأذَّى منه ، مما يجعله من بناتُه ، وما دمته ، وماذا ، صلى الله عليه وسلم – يسهل لا يُحرِّمُ حَلَالاً.

قال النووي – رحمه الله -: (قال العلماء في هذا الحديث: تحريم إيذاء النبي – صلى الله عليه وسلم – بكلِّ حالٍ ، وعلى كلِّ وجْهٍ ، وإن تولَ ذلك الإيذاء مما أصلُه مباحاً وهو حيٌّ ، وهذا بخلاف غيره.

قالوا: وقد أعلمَ – صلى الله عليه وسلم – بإباحة نكاحِ بنتِ أبي جهل لعليٍّ بقولِه – صلى الله عليه وسلم -: «لَسْتُ أُحرِّم حلالاً». ولكن نهى عن الجمع بينهما لعلَّتَين منصوصتين:

إحداهما: أن ذلك يؤدِّي إلى أذى فاطمة؛ فيتأذَّى حينئذ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم -؛ فيهلَك مَن آذاه، فنهى عن ذلك، لِكمال شفَقتِه على عَلِيٍّ، وعلَى فاطمة.

والثانية: خوف الفتنة عليها؛ بسبب الغَيرة. (١)

وقيل: ليس المراد به النهي عن جمعهما، بل معناه: أعلمُ مِن فَضْلِ اللَّهِ أنهما لا تجتمعان، كما قال أنس بن النَّضْر: «واللَّهِ لا تُكسَرُ ثَنِيَّة الرُّبَيِّع».

ويُحتَمَلُ أن المراد تحريم جمعهما، ويكون معنى: «لا أحرِّمُ حلالاً» أي: لا أقولُ شيئاً يخالِفُ حُكمَ اللَّهِ، فإذا أحلَّ شيئاً، لمْ أحرِّمْهُ، وإذا حرَّمَهُ، لم أحَلِّلْهُ، ولم أسكُتْ عن تحريمه؛ لأن سكوتي تحليلٌ له؛ ويكون من جملة محرمات النكاح: الجمعُ بين بنتِ نبيِّ اللَّهِ، وبنتِ عَدوِّ اللَّهِ).

وقال ابن حجر – رحمه الله -: (قال ابن التين: أصحُّ ما تُحمَلُ عليه هذه القصة أنَّ النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – حرَّم علَى علِيٍّ أن يجمعَ بين ابنتِه، وبين ابنة أبي جهل؛ لأنه علَّل بأن ذلك يؤذيه، وأذيتُه حرامٌ بالاتفاق.

ومعنى قوله: «لا أُحرِّم حلالاً»: أي هي له حلال، لو لم تكن عنده فاطمة.

وأما الجمع بينهما الذي يستلزم تأذي النبي – صلى الله عليه وسلم – لتأذي فاطمة به؛ فلا.

وزعم غيرُه أنَّ السياق يُشعر بأن ذلك مُباحٌ لعلي، لكنه منعَه النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – رِعايةً لخاطرِ فاطمة، وقَبِلَ هو ذلك؛ امتثالاً لأمرِ النبيِّ – صلى الله عليه وسلم -.

والذي يظهر لي أنه لا يبْعُد أنْ يُعَدَّ في خصائصِ النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – أن لا يُتزوَّج على بناتِه، ويُحتمَل أن يكون ذلك خاصَّاً بفاطمة – عليها السلام -).

قلت: هل يُمكِنُ القولُ بأنَّ المسألةَ خَرَجَتْ من الحُكْم الشرعي واحتماليةِ التحريم، لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «لا أُحرِّم حلالاً»، وخَرجَتْ من دعوى الخصوصيةِ، لِذكِرهِ – صلى الله عليه وسلم – عَهْدَ ـ شَرْط ـ أبي العاص والتزامِه، مما يدل على وجودِ اشتراطٍ مُسبَقٍ معَ عَلِيٍّ، فيكونُ عزمُ عليٍّ مخالِفاً الشرْطَ والاتفاق؛ زيادةً على ذلك خَشِي – صلى الله عليه وسلم – الضررَ على ابنته الوحيدة ـ آنذاك ـ «فاطمة»، وأنها لن تجد من تبوح إليه، لا أمُّ، ولا أخوات، . فالموضوعُ:

التزامٌ بالشرط، مع الخوف على ابنته، ولا خصوصية فيه.

والحمد لله رب العالمين