شبهات حول الصحابة (9): زعمهم بأنّ عمر بن الخطاب وصف النبيّ صلى الله عليه وسلم بالهجر.

الحمد لله، وبعد:
فمن شبهات الطاعنين في الصحابة رضي الله عنهم، زعمهم بأن عمر رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهجر
قالوا: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما حضر رسول الله- أي: حضرته الوفاة- وفي البيت رجال فيهم عمر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « هلم أكتب لكم كتابا لا تضلون بعده ».
فقال عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله. واختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول: قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قال عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قوموا »(متفق عليه).
وطعنهم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل هذا الحديث يتمثل في أنهم يدعون كذبا أن عمر قال: « إن رسول الله يهجر »(من كتاب التيجاني فاسألوا أهل الذكر).
وهذا كذب على عمر!! لم يقل عمر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يهجر، بل الرواية في الصحيحين وغيرهما أن عمر رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلبه الوجع، وفي ذلك الوقت كان مرض الموت على النبي صلى الله عليه وسلم شديدا. وبين هذا حديث عائشة رضي الله عنها لما أغمي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟.
قالت: هم في انتظارك يا رسول الله.
فقربوا إليه الماء فاغتسل، ثم قام يريد أن يذهب إلى الصلاة فسقط مغميا عليه ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ قالوا: هم في انتظارك يا رسول الله. فقال: قربوا لي ماء فأتوه بالماء فاغتسل، ثم قام يريد أن يذهب للصلاة فسقط.
فلما سقط الثالثة ثم أفاق: قال: أصلى الناس؟ قالوا: هم في انتظارك قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس( متفق عليه)
نعم هناك من قال: أهجر. ولكنه ليس عمر.
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم يوعك وعكا شديدا أشفق عليه، فقال: يا رسول الله إنك توعك وعكا شديدا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني أوعك كرجلين منكم. قال ابن مسعود: أذلك لأن لك الأجر مرتين؟ قال: نعم( متفق عليه)
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يوعك وعكا شديدا فلما سمع عمر النبي صلى الله عليه وسلم يقول: هلم أكتب لكم كتابا. أشفق على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن رسول الله غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله.
قلت: وهذا موافق لقوله تعالى: [اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام](سلسلة الأحاديث الصحيحة).
والرسول صلى الله عليه وسلم قال: « والله ما تركت شيئا يقربكم إلى الله والجنة إلا وأخبرتكم به، وما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا قد أمرتكم به، وما تركت شيئا مما نهاكم الله عنه إلا قد نهيتكم عنه »(سنن النسائي) فما بقي شيء في الدين لم يبينه الرسول صلى الله عليه وسلم.
فما هذا الكتاب الذي كان الرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يكتبه؟
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرني أن آتيه بطبق يكتب فيه ما لا تضل أمته من بعده، قال: فخشيت أن تذهب نفسه (يعني: خشيت أن يموت قبل أن يأتيه الكتاب)، فقلت: يا رسول الله إني أحفظ وأعي فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
« أوصيكم بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم »(سنن البيهقي).
فإذا قالوا: الصحابة عصوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأتوه بالكتاب.
فنقول: علي أول من عصى؛ فإنه هو المأمور مباشرة من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيه بالكتاب. فلماذا لم يأته به؟! فإذا لمنا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الأمر، فعلي يلام!!
والحق أنه لا لوم على الجميع لأمور:
أولا: إن عليا رضي الله عنه في هذا الحديث نفسه قال: فخشيت أن تذهب نفسه، فقلت: يا رسول الله إني أحفظ وأعي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوصيكم بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم(مسند أحمد).
فالنبي صلى الله عليه وسلم إذا تلفظ بما أراد أن يكتب.
ثانيا: الذي أراد أن يكتبه النبي صلى الله عليه وسلم إما أن يكون واجبا عليه أو مستحبا، فإن قالوا: إنه أمر واجب وهو من أمور الشريعة الواجب تبليغها فقولهم هذا فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغ جميع الشرع، وهذا طعن في النبي صلى الله عليه وسلم وطعن في الله الذي قال: [اليوم أكملت لكم دينكم].
وإن قالوا: إنه مستحب!! فنقول: هذا هو قولنا جميعا.
ثالثا: إن الصحابة امتنعوا شفقة على النبي صلى الله عليه وسلم لا من باب المعصية.