كلام الغزالي في الدفاع عن الصحابة رضي الله عنهم (ج3)
قال الغزالي رحمه الله: الإمام الحق بعد رسول الله. – صلى الله عليه وسلم – أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم، ولم يكن نص رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على إمام أصلا، إذ لو كان لكان أولى بالظهور من نصبه آحاد الولاة والأمراء على الجنود في البلاد ولم يخف ذلك، فكيف خفي هذا، وإن ظهر فكيف اندرس حتى لم ينقل إلينا. فلم يكن أبو بكر إماما إلا بالاختيار والبيعة. وأما تقدير النص على غيره فهو نسبة للصحابة كلهم إلى مخالفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وخرق الإجماع مما لا يجترئ على اختراعه إلا الروافض.
واعتقاد أهل السنة تزكية جميع الصحابة والثناء عليهم كما أثنى الله سبحانه وتعالى ورسوله – صلى الله عليه وسلم -. وما جرى بين معاوية وعلي رضي الله عنهما كان مبنيا على الاجتهاد، لا منازعة من معاوية في الإمامة، إذ ظن علي رضي الله عنه أن تسليم قتلة عثمان مع كثرة عشائرهم واختلاطهم بالعسكر يؤدي إلى اضطراب أمر الإمامة في بدايتها فرأى التأخير أصوب، وظن معاوية أن تأخير أمرهم مع عظم جنايتهم يوجب الإغراء بالأئمة ويعرض الدماء للسفك. وقد قال أفاضل العلماء: كل مجتهد مصيب. وقال قائلون: المصيب واحد. ولم يذهب إلى تخطئة عليّ ذو تحصيل أصلا.
وفضل الصحابة رضي الله عنهم على حسب ترتيبهم في الخلافة، إذ حقيقة الفضل ما هو فضل عند الله عز وجل، وذلك لا يطلع عليه إلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، وقد ورد في الثناء على جميعهم آيات وأخبار كثيرة، وإنما يدرك دقائق الفضل والترتيب فيه المشاهدون للوحي والتتريل بقرائن الأحوال ودقائق التفصيل. فلولا فهمهم ذلك لما رتبوا الأمر كذلك، إذ كانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يصرفهم عن الحق صارف. انتهى كلامه رحمه الله.