كلام الحسني في الكلام عن الفتنة بين الصحابة رضي الله عنهم (ج 3)

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
قال رحمه الله: (وأما قتاله رضي الله عنه لطلحة والزبير وعائشة ومعاوية فقد نص الإمام أحمد رحمه الله على الإمساك عن ذلك وجميع ما شجر بينهم من منازعة ومنافرة وخصومة، لأن الله تعالى يزيل ذلك من بينهم يوم القيامة، كما قال عز وجل: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين} ولأن عليا رضي الله عنه كان على الحق في قتالهم، لأنه كان يعتقد صحة إمامته على ما بينا من اتفاق أهل الحل والعقد من الصحابة على إمامته وخلافته. فمن خرج عن ذلك بعد وناصبه حربا كان باغيا خارجا على الإمام فجاز قتاله. ومن قاتله من معاوية وطلحة والزبير طلبوا ثأر عثمان خليفة الحق المقتول ظلما، والذين قتلوه كانوا في عسكر علي رضي الله عنه. فكل ذهب إلى تأويل صحيح، فأحسن أحوالنا الإمساك في ذلك وردهم إلى الله عز وجل وهو أحكم الحاكمين وخير الفاصلين؛ والاشتغال بعيوب أنفسنا وتطهير قلوبنا من أمهات الذنوب وظواهرنا من موبقات الأمور.
وأما خلافة معاوية بن أبي سفيان فثابتة صحيحة بعد موت علي رضي الله عنه وبعد خلع الحسن بن علي رضي الله عنهما نفسه عن الخلافة وتسليمها إلى معاوية، لرأي رآه الحسن ومصلحة عامة تحققت له، وهي حقن دماء المسلمين وتحقيق قول النبي – صلى الله عليه وسلم – في الحسن رضي الله عنه: «إن ابني هذا سيد يصلح الله تعالى به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» فوجبت إمامته بعقد الحسن له. فسمي عامه عام الجماعة لارتفاع الخلاف بين الجميع، واتباع الكل لمعاوية رضي الله عنه، لأنه لم يكن هناك منازع ثالث في الخلافة، وخلافته مذكورة في قول النبي – صلى الله عليه وسلم -، وهو ما روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «تدور رحى الإسلام خمسا وثلاثين سنة أو ستا وثلاثين أو سبعا وثلاثين» والمراد بالرحى في هذا الحديث القوة في الدين، والخمس السنين الفاضلة من الثلاثين فهي من جملة خلافة معاوية إلى تمام تسع عشرة سنة وشهور، لأن الثلاثين كملت بعلي رضي الله عنه كما بينا.
ونحسن الظن بنساء النبي – صلى الله عليه وسلم – أجمعين، ونعتقد أنهن أمهات المؤمنين، وأن عائشة رضي الله عنها أفضل نساء العالمين، وبرأها الله تعالى من قول الملحدين فيها بما نقرؤه ويتلى في كتاب الله إلى يوم الدين. وكذلك فاطمة بنت نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – رضى الله تعالى عنها وعن بعلها وأولادها أفضل نساء العالمين، ويجب موالاتها ومحبتها كما يجب ذلك في حق أبيها – صلى الله عليه وسلم -. قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «فاطمة بضعة مني يريبني ما يريبها»
فهؤلاء أهل القرآن هم الذين ذكرهم الله في كتابه وأثنى عليهم، فهم المهاجرون الأولون والأنصار الذين صلوا إلى القبلتين، قال الله تعالى فيهم: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} (1) وقال جلا وعلا: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}
وقال تعالى: {اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}).