كلام الحسني في بيان خلافة الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن وآلاه، أما بعد:
قال رحمه الله: (أما خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه فباتفاق المهاجرين والأنصار كانت، وذلك لما توفى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قامت خطباء الأنصار فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر أبا بكر أن يؤم بالناس؟ قالوا: بلى، قال: فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟…
فأما خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فإنها كانت باستخلاف أبي بكر رضي الله عنه، فانقادت الصحابة إلى بيعته وسموه أمير المؤمنين، فقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: قالوا لأبي بكر رضي الله عنه: ما تقول لربك غدا إذا لقيته وقد استخلفت علينا عمر وقد عرفت فظاظته؟ قال: أقول استخلفت عليهم خير أهلك.
وأما خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه فكانت أيضا عن اتفاق الصحابة رضي الله عنهم، وذلك أن عمر رضي الله عنه أخرج أولاده عن الخلافة وجعلها شورى بين ستة نفر، وهم طلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف، فقال عبد الرحمن لعلي وعثمان: أنا أختار أحدكما لله ورسوله وللمؤمنين، فأخذ بيد علي رضي الله عنه، فقال: يا علي عليك عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسوله إذا أنا بايعتك لتنصحن لله ورسوله وللمؤمنين ولتسيرن بسيرة رسوله وأبي بكر وعمر، فخاف علي أن لا يقوى على ما قووا عليه فلم يجبه، ثم أخذ بيد عثمان فقال له مثل ما قال لعلي، فأجابه عثمان على ذلك، فمسح يد عثمان فبايعه وبايعه علي رضي الله عنه ثم بايع الناس أجمع، فصار عثمان بن عفان خليفة بين الناس باتفاق الكل، فكان إماما حقا إلى أن مات ولم يوجد فيه أمر يوجب الطعن فيه ولا فسقه ولا قتله؛ خلاف ما قالت الروافض، تبا لهم.
وأما خلافة علي رضي الله عنه فكانت عن اتفاق الجماعة وإجماع الصحابة، كما روى أبو عبد الله بن بطة عن محمد بن الحنفية قال: كنت مع علي بن أبي طالب، وعثمان بن عفان محصور، فأتاه رجل فقال إن أمير المؤمنين مقتول الساعة، قال: فقام علي رضي الله عنه فأخذت بوسطه تخوفا عليه، فقال: خل لا أم لك، قال: فأتى علي الدار وقد قتل عثمان رضي الله عنه، فأتى داره ودخلها فأغلق بابه، فأتاه
الناس فضربوا عليه الباب فدخلوا عليه فقالوا إن عثمان قد قتل ولا بد للناس من خليفة، ولا نعلم أحدا أحق بها منك، فقال لهم علي: لا تريدوني فإني لكم وزيرا خير من أمير، قالوا والله لا نعلم أحدا أحق بها منك، قال رضي الله عنه: فإن أبيتم علي فإن بيعتي لا تكون سرا، ولكن أخرج إلى المسجد فمن شاء أن يبايعني بايعني، قال: فخرج رضي الله عنه إلى المسجد فبايعه الناس، فكان إماما حقا إلى أن قتل، خلاف ما قالت الخوارج إنه لم يكن إماما قط، تبا لهم).