تلاوة الصحابة وآل البيت للقرآن في رمضان: شهر التدبر والتلاوة

كان الصحابة وآل البيت يدركون أن شهر رمضان هو شهر القرآن، فهو الشهر الذي نزل فيه الوحي على النبي ﷺ، قال الله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلْقُرْءَانُ هُدًۭى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَٰتٍۢ مِّنَ ٱلْهُدَىٰ وَٱلْفُرْقَانِ﴾ (البقرة: 185). لذلك، كان دأبهم في رمضان الإقبال على تلاوة القرآن بتدبر وخشوع، وتخصيص أوقات طويلة له، باعتباره غذاءً للروح وقوةً للقلب.
كان الصحابة يتفرغون في رمضان للقرآن، ويختمونه مرات عديدة. فقد كان عثمان بن عفان رضي الله عنه يقرأ القرآن كله في ليلة واحدة (البيهقي، شعب الإيمان، ج3، ص524). أما عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقد كان يقول: “من أحب أن يعلم أنه يحب الله، فلينظر إلى حبه للقرآن، فإنما هو كلام الله” (الحاكم، المستدرك، ج1، ص742).
وكان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يجتهد في تدبر القرآن في رمضان، ويقول: “كان جبريل يلقى النبي ﷺ في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن” (صحيح البخاري، حديث رقم 3554، ج4، ص191).
وقد كانوا من أكثر الناس تعلقًا بالقرآن في رمضان. فقد كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: “خيركم من تعلم القرآن وعلمه، فلا تنشغلوا عنه بغيره”. كما كان زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما يكثر من التلاوة في رمضان، وكان يختمه في كل ثلاثة أيام (الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج4، ص389).
أما فاطمة الزهراء رضي الله عنها، فكانت تحرص على تعليم أبنائها تلاوة القرآن، وتحثهم على تدبره، فتقول: “القرآن نور القلوب، فلا تجعلوه بعيدًا عنكم”.
وقد كانت التلاوة تترك أثرًا بالغًا في قلوب الصحابة وآل البيت. فقد ورد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه بكى عند سماع قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا نَشْكُو بَثِّى وَحُزْنِىٓ إِلَى ٱللَّهِ﴾ (يوسف: 86)، وكان يقول: “هذه شكوى يعقوب إلى الله وحده، فكيف بنا؟” (ابن كثير، التفسير، ج2، ص486).
وكان الحسن البصري رحمه الله يقول: “كان الصحابة يقرؤون القرآن كأنه رسائل من الله إليهم، فإذا مروا بآية فيها وعد، سألوا الله من فضله، وإذا مروا بآية فيها وعيد، استعاذوا بالله من عقابه” (البيهقي، الزهد الكبير، ج1، ص305).
لقد كانوا يرون في رمضان موسمًا لتلاوة القرآن وتدبره، فلم يكن يمر يوم دون أن يعطروا ألسنتهم بآياته، ويملؤوا قلوبهم بنوره. كانوا يدركون أنه كلام الله، وأنه سبب لهداية قلوبهم. فمن أراد أن يسير على دربهم، فليجعل رمضان شهر القرآن، وليخصص له وقتًا يوميًا، حتى ينال بركته ويستنير بنوره.

المصادر
1. صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، دار طوق النجاة، ج4، ص191.
2. المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، دار الكتب العلمية، ج1، ص742.
3. شعب الإيمان، البيهقي، دار الكتب العلمية، ج3، ص524.
4. سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي، مؤسسة الرسالة، ج4، ص389.
5. تفسير ابن كثير، إسماعيل بن عمر ابن كثير، دار الفكر، ج2، ص486.
6. الزهد الكبير، البيهقي، دار الكتب العلمية، ج1، ص305.