صدقة الصحابة وآل البيت في رمضان: نموذج في البذل والعطاء
رمضان شهر الخير والبركة، وهو موسم الإنفاق والصدقة، حيث يتسابق المسلمون فيه إلى مساعدة المحتاجين والتوسعة على الفقراء. وكان الصحابة وآل البيت في مقدمة السبّاقين إلى البذل والعطاء في هذا الشهر الكريم، اقتداءً برسول الله ﷺ، الذي كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان. لم تكن صدقتهم مجرد تبرعات مادية، بل كانت صورةً من صور التكافل الاجتماعي الحقيقي الذي يعكس القيم الإسلامية في أبهى صورها.
كان الصحابة يسارعون إلى الصدقة في رمضان، حتى إن بعضهم لم يكن يملك الكثير، لكنه كان يعطي مما لديه. فقد ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه لم يكن يفطر في رمضان إلا مع الأيتام والمساكين، حتى لو لم يبقَ له شيء يأكله بعد ذلك. وكان يقول: “لأن أصوم يومًا وأطعم مسكينًا أحب إلي من أن أشبع” (ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج4، ص147).
أما أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقد كان ينفق معظم ماله في سبيل الله، وكان أكثر ما ينفقه في رمضان، ويقول: “إن رمضان مضمار الخير، فمن أراد أن يكسب السباق، فليجتهد” (ابن كثير، البداية والنهاية، ج6، ص345).
أما عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقد ضرب أروع الأمثلة في الكرم، إذ جهّز جيش العسرة في رمضان، وتبرع بآلاف الدراهم في سبيل الله، حتى قال النبي ﷺ: “ما ضرّ عثمان ما فعل بعد اليوم” (الترمذي، حديث رقم 3701، ج5، ص626).
وقد كان آل البيت سبّاقين إلى الإنفاق والصدقة، فكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا يردّ سائلاً في رمضان، وكان يقول: “هذا شهر الرحمة، فلا تحرموا أنفسكم منها”. وكانت فاطمة الزهراء رضي الله عنها تنفق مما لديها على الفقراء، حتى وإن لم يكن في بيتها سوى القليل.
أما الحسن والحسين رضي الله عنهما، فقد ورثا هذا السخاء عن أبيهما وأمهما، وكانا يحرصان على إطعام الفقراء والمساكين في رمضان، وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما يخصص جزءًا كبيرًا من ماله للفقراء، حتى قال عنه أحد أصحابه: “ما رأيته إلا وهو يعطي، كأنما لا يخشى الفقر” (الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج3، ص172).
لقد كانت الصدقة جزءًا لا يتجزأ من حياتهم، وكانوا يدركون أن العطاء يزيد البركة، ويجلب رحمة الله. فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إن أفضل الصدقة ما كانت في رمضان، فإنها تضاعف كما تضاعف الحسنات” (ابن أبي شيبة، المصنف، ج3، ص152).
وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: “إذا جاء رمضان، كان النبي ﷺ أجود بالخير من الريح المرسلة” (صحيح البخاري، حديث رقم 6، ج1، ص7). وهذا يدل على أن الصحابة وآل البيت كانوا يرون في رمضان فرصةً عظيمةً لمضاعفة أعمالهم الصالحة، فأكثروا من العطاء والصدقات.
لقد كان الصحابة وآل البيت نموذجًا في البذل والعطاء في رمضان، حيث لم يكن همّهم مجرد إخراج الصدقة، بل كان همّهم إسعاد الفقراء، ونشر الخير، وتعزيز التكافل بين المسلمين. ومن أراد أن يقتدي بهم، فليجعل من رمضان فرصةً للإنفاق في سبيل الله، سواءً بالمال، أو الطعام، أو أي شكل من أشكال الخير، لعلّه ينال أجر الصدقة المضاعف في هذا الشهر المبارك.
المصادر
1. صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري، دار طوق النجاة، ج1، ص7.
2. سنن الترمذي، محمد بن عيسى الترمذي، دار إحياء التراث العربي، ج5، ص626.
3. البداية والنهاية، ابن كثير، دار الفكر، ج6، ص345.
4. سير أعلام النبلاء، الذهبي، مؤسسة الرسالة، ج3، ص172.
5. الطبقات الكبرى، ابن سعد، دار صادر، ج4، ص147.
6. المصنف، ابن أبي شيبة، دار الفكر، ج3، ص152.