أحداث خلافة معاوية رضي الله عنه: البيعة ليزيد بن معاوية
في سنة ست وخمسين من الهجرة، أمر معاوية بن أبي سفيان الناس أن يبايعوا لابنه يزيد بالخلافة من بعده، فكانت هذه أول مرة تنتقل فيها الخلافة بالوراثة الصريحة، وهو تحوّل له ما بعده في مسار الحكم الإسلامي.
بهذا القرار، اجتهد معاوية رضي الله عنه وتنوّعت طرق الخلافة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم، إما ترك الأمر شورى أو أشار تلميحًا إلى أبي بكر الصديق. ثم جاء أبو بكر فنص على عمر بن الخطاب. أما عمر فقد جعلها في ستة من الصحابة، ولم يُدخل فيها ابنه عبد الله، ولا ابن عمه سعيد بن زيد، رغم منزلتهما. ثم جاء عثمان بن عفان، ولم يوصِ لأحد، وكذلك فعل علي بن أبي طالب. وأما الحسن، فقد تنازل بالخلافة لمعاوية، دون أن يورثها أو يعهد بها.
لهذا، لما همّ معاوية ببيعة يزيد، قيل له على وجه النصيحة:
“إما أن تتركها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو تنهج نهج أبي بكر الصديق، أو أن تفعل كما فعل عمر حين جعلها في ستة، أو أن تدع الأمر للمسلمين يختارون، فما عهد الخلفاء الراشدون بالخلافة إلى أبنائهم”.
لكن معاوية أصرّ على أن يتولى يزيد من بعده، فبايعه عامة الناس، وكان ذلك في الشام أولًا، ثم جُدّد الأمر في موسم الحج، وجرى أخذ البيعة من وجوه الناس وقادتهم (انظر: خليفة بن خياط، الطبقات، ص 52).
هل كان اجتهاده صوابًا؟
المؤرخون والمحدثون اختلفوا في تقييم هذا القرار، وإن كان جمهور أهل العلم رأوا أن ما فعله معاوية رضي الله عنه عدول عن الوجه الأكمل، وهو الشورى. وعلّل بعضهم ذلك بأن معاوية خشي الفتنة، فرأى في بيعة يزيد بابًا للاستقرار السياسي بعد أن ذاق الناس ويلات النزاع الداخلي.
قال ابن خلدون في مقدمة تاريخه:
“ولعله رأى أن الشورى قد تُفضي إلى الفتنة، فأراد أن يُغلق باب التنازع بتعيين من بعده، لكنه خالف بذلك وجه المصلحة الشرعية في الشورى”
(مقدمة ابن خلدون، فصل في ولاية العهد، ص 166).