أم المؤمنين (ميمونة بنت الحارث) رضي الله عنها وأرضاها
ميمونة بنت الحارث بن حَزْن بن عامر بن صَعْصعة الهلالية، من بيت عريق في العرب عُرف بالشرف والكرم، وأمها هند بنت عوف التي قيل عنها: «أكرم عجوز في الأرض أصهارًا»، إذ تزوّج بناتها وبنوها كبار الصحابة، فكانت أمًّا لعدد من أمهات المؤمنين وأخواتهن. كانت ميمونة رضي الله عنها أخت أم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث زوجة العباس بن عبد المطلب، وخالة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حبر الأمة وترجمان القرآن.
تزوجت ميمونة في الجاهلية مسعود بن عمرو الثقفي، ثم خلف عليها أبو رُهم بن عبد العُزّى، فمات عنها، فبقيت أرملة إلى أن زوّجها العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه – وكان وكيلها في الزواج – برسول الله ﷺ في عمرة القضاء سنة سبع للهجرة، فكانت آخر امرأة تزوّجها النبي ﷺ. وبنى بها النبي ﷺ في مكان يُقال له سَرِف، على مقربة من مكة، وهو الموضع الذي توفيت فيه لاحقًا ودُفنت هناك1.
وقد تميّزت السيدة ميمونة رضي الله عنها بأنها كانت آخر أمهات المؤمنين زواجًا بالنبي ﷺ، وكان زواجها من الأحداث البارزة التي حملت رمزيةً إنسانية واجتماعية، إذ جمع بين النبي ﷺ وبين بيتٍ عربيٍّ كريم من قريش وهوازن، بعد سنوات من العداء والحروب، فكان في زواجه منها تأليفٌ للقلوب وتقوية لأواصر القرابة بين العرب والمسلمين.
وقد عُرفت ميمونة رضي الله عنها بالتقوى والورع والإيمان الصادق، وكانت محبةً للخير، كثيرة العبادة، راويةً لأحاديث النبي ﷺ. شهد لها النبي ﷺ بالإيمان، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: «الأخوات مؤمنات: ميمونة زوج النبي ﷺ، وأختها أم الفضل بنت الحارث، وأختها سلمى بنت الحارث امرأة حمزة، وأسماء بنت عميس أختهن لأمهن»2
فهذا الحديث الشريف شهادة نبوية عظيمة تُخلّد فضل هذا البيت الطيب الذي ضمّ نساءً مؤمنات صالحات، جمعتهن رابطة الإيمان قبل النسب.
كما رُوي أن النبي ﷺ هو الذي غيّر اسمها بنفسه؛ فقد كانت تُدعى في الجاهلية «بَرّة»، فغيّر النبي ﷺ اسمها إلى «ميمونة»، لما في الاسم الأول من تزكية للنفس لا يحبها ﷺ. قال ابن عباس رضي الله عنهما:«كان اسم خالتي ميمونة بَرّة، فسماها رسول الله ﷺ ميمونة»3
وكان في هذا الاسم الجديد معنى البركة والرضا، إذ اشتُق من “الميمون”، أي المبارك، فكان اسمها بشارةً بحياتها الطيبة ومكانتها المباركة في بيت النبوة.
عاشت ميمونة رضي الله عنها مع النبي ﷺ حياةً مليئة بالسكينة والوفاء، وكانت من أكثر نسائه تواضعًا وإخلاصًا، فلم تطلب دنيا، ولم تتطلع إلى مكانةٍ إلا ما عند الله. وبعد وفاة النبي ﷺ عاشت سنوات في العبادة والذكر، وكانت من القانتات الصالحات اللواتي حملن علم الدين وروين الأحاديث للناس.
ويروي المؤرخون أن ميمونة كانت تُكثر من ذكر الله وتصلي بالليل، وكانت ذات قلب رحيم، تعطف على المساكين، وتواسي الأرامل، وتعين المحتاجين. وكان ابن عباس رضي الله عنه يجلها غاية الإجلال، ويقول عنها: “كانت خالتي ميمونة من أبرّ الناس وأرحمهم”4
توفيت رضي الله عنها سنة إحدى وخمسين للهجرة (وقيل اثنتان وخمسون)، في الموضع الذي بنى بها فيه النبي ﷺ وهو سَرِف قرب مكة المكرمة، ودُفنت هناك. وكان عبد الله بن عباس حاضرًا دفنها، وهو يقول: «هذه زوجة رسول الله ﷺ، فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها»، إجلالًا لمقامها كأمٍ للمؤمنين وزوجٍ للنبي الكريم ﷺ5
الهوامش:
ابن سعد، الطبقات الكبرى، جـ8، صـ132؛ ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة.
الحاكم، المستدرك على الصحيحين، جـ4، صـ32–33، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال الألباني: «صحيح» كما في صحيح الجامع الصغير (2763) وسلسلة الأحاديث الصحيحة (1764).
مسلم، صحيح مسلم، حديث رقم (2141)؛ الحاكم، المستدرك، جـ4، صـ30.
ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب.
ابن سعد، الطبقات الكبرى، جـ8، صـ132؛ ابن كثير، البداية والنهاية.