جهود أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها في الدعوة إلى الله.
تُعدّ أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها من أعظم نساء الإسلام علمًا وفقهًا ودعوةً إلى الله تعالى، فقد كانت من أكثر الصحابيات روايةً للحديث ونقلاً لسنة النبي ﷺ، فبثَّت العلم بين الناس، وتلقَّى عنها الفقهاء والعلماء من الأحكام والآداب الشيء الكثير، حتى قيل إن ربع الأحكام الشرعية منقول عنها لما حفظته من سنن النبي ﷺ وما فقهته من معاني الدين(1).
وقد أثنى عليها كبار الصحابة والتابعين، فكانوا يرجعون إليها في المسائل الكبرى، ويستفتونها في النوازل الفقهية. يقول مسروق رحمه الله:
“رأيتُ مشيخةً من أصحاب رسول الله ﷺ الأكابر يسألون عائشة عن الفرائض، وكان إذا حدث عنها يقول: حدثتني الصديقة بنت الصديق، حبيبة حبيب الله، المبرأة من فوق سبع سموات، فلم أكذبها”(2).
وقال عطاء بن أبي رباح: “كانت عائشة أفقه الناس، وأعلم الناس، وأحسن الناس رأياً في العامة”.
وقال هشام بن عروة عن أبيه: “ما رأيتُ أحداً أعلم بفقه، ولا بطب، ولا بشعر من عائشة”(3).
وقال عبد الله بن عبيد بن عمير: “أما إنه لا يحزن عليها إلا من كانت أمه”(4).
وهذه الشهادات المتواترة من كبار العلماء تدل على ما بلغته من مكانة علمية رفيعة، ومقامٍ سامٍ في العلم والديانة.
ولم يكن علمها مقتصرًا على الرواية، بل تجاوز ذلك إلى الدعوة والتعليم والنصح والإرشاد. فقد كانت رضي الله عنها مثالًا للمرأة العالمة الواعظة التي تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتغرس في النساء القيم الدينية والخلقية. ومن ذلك ما روي أنه دخلت عليها حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وعليها خمار رقيق يشف عن جبينها، فشقته عائشة وقالت لها: “أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟!”، ثم دعت بخمارٍ فكسَتها إياه(5).
وفي هذا الموقف تظهر غيرتها على حدود الله، وحرصها على تعليم النساء آداب الستر والعفاف.
وكانت رضي الله عنها تعظ النساء وتحثهن على الطاعة والإخلاص، فكانت تقول:
“يا معشر النساء، اتقين الله ربكن، وبالغن في الوضوء، وأقمن صلاتكن، وآتين زكاتكن طيبة بها أنفسكن، وأطعن أزواجكن فيما أحببتن أو كرهتن”(6).
كما كانت تذكّرهن بحقوق الأزواج ووجوب طاعتهم، فقالت:”خليفة الله تعالى على المرأة زوجها، فإذا رضي عنها زوجها رضي الله عنها الله، وإذا سخط عليها زوجها سخط الله عليها وملائكته؛ لأنها تحمل زوجها على ما يحلّ لها”(7).
وقالت أيضًا:”من حق الزوج على المرأة أن تلزم فراشه، وتتجنب سخطه، وتتبع مرضاته، وتوفِّر كسبه، ولا تعصي له أمرًا، وتحفظه في نفسها”(8).
وهكذا جمعت رضي الله عنها بين العلم والعمل، والتعليم والتزكية، فكانت بحقٍّ مدرسةً قائمةً بذاتها، تخرَّج منها العلماء والفقهاء، وربَّت النساء على الدين والخلق، وأسهمت في نشر سنة النبي ﷺ، فاستحقت أن تكون من أعظم نساء الإسلام علمًا وعملاً ودعوةً إلى الله تعالى، فرضي الله عنها وأرضاها وجعل مقامها في عليين.
________________________________________
1. سير أعلام النبلاء، الذهبي، ج 2، ص 181.
2. المصدر نفسه.
3. نساء حول الرسول، عاطف صابر شاهين، ص 66، دار الغد، المنصورة.
4. سير أعلام النبلاء، ج 2، ص 185.
5. الطبقات الكبرى لابن سعد، ج 8، ص 72.
6. أدب النساء، عبد الملك بن حبيب، ص 234، رقم (157).
7. أدب النساء، عبد الملك بن حبيب، ص 260، رقم (200).
8. أدب النساء، عبد الملك بن حبيب، ص 261، رقم (201).