من كلام الشيخ الحسني في الدفاع عن الصحابة رضي الله عنهم

من كلام الشيخ الحسني في الدفاع عن الصحابة رضي الله عنهم

قال رحمه الله تعالى في غنية الطالبين: ويعتقد أهل السنة أن أمة محمد عليه الصلاة والسلام خير الأمم أجمعين، وأفضلهم أهل القرن الذين شاهدوه وآمنوا به وصدقوه وبايعوه وتابعوه وقاتلوا بين يديه وفدوه بأنفسهم وأموالهم وعزروه ونصروه، وأفضل أهل القرن أهل الحديبية الذين بايعوه بيعة الرضوان وهم ألف وأربعمائة رجل، وأفضلهم أهل بدر وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا عدد أصحاب طالوت، وأفضلهم الأربعون أهل دار الخيزران الذين كملوا بعمر بن الخطاب، وأفضلهم العشرة الذين شهد لهم النبي – صلى الله عليه وسلم – بالجنة، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وسعيد وأبو عبيدة بن الجراح، وأفضل هؤلاء العشرة الأبرار الخلفاء الراشدون الأربعة الأخيار، وأفضل الأربعة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضى الله تعالى عنهم. ولهؤلاء الأربعة الخلافة بعد النبي – صلى الله عليه وسلم – ثلاثون سنة، ولي منهم أبو بكر رضي الله عنه سنتين وشيئا، وعمر رضي الله عنه عشرا، وعثمان رضي الله عنه اثنتي عشرة، وعلي رضي الله عنه ستا، ثم وليها معاوية رضي الله عنه تسع عشرة سنة؛ وكان قبل ذلك ولاه عمر الإمارة على أهل الشام عشرين سنة.
وخلافة الأئمة الأربعة كانت باختيار الصحابة واتفاقهم ورضاهم، ولفضل كل واحد منهم في عصره وزمانه على من سواه من الصحابة. ولم تكن بالسيف والقهر والغلبة والأخذ ممن هو أفضل منه.

أما خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه فباتفاق المهاجرين والأنصار كانت، وذلك لما توفى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قامت خطباء الأنصار فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا معشر الأنصار ألستم تعلمون أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر أبا بكر أن يؤم بالناس؟ قالوا: بلى، قال: فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر؟ قالوا: معاذ الله أن نتقدم أبا بكر، وفي لفظ قال عمر رضي الله عنه: فأيكم تطيب نفسه أن يزيله عن مقام أقامه فيه رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؟ فقالوا كلهم: كلنا لا تطيب أنفسنا، نستغفر الله. فاتفقوا مع المهاجرين فبايعوا بأجمعهم وفيهم علي والزبير. ولهذا قيل في النقل الصحيح: لما بويع أبو بكر الصديق رضي الله عنه قام ثلاثا يقبل على الناس فيقول: يا أيها الناس أقلتكم بيعتي، هل من كاره؟ فيقوم علي رضي الله عنه في أوائل الناس يقول: لا نقيلك ولا نستقيلك أبدا، قدمك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فمن يؤخرك؟

وبلغنا عن الثقات أن عليا رضي الله عنه كان أشد الصحابة قولا في إمامة أبي بكر رضي الله عنه، وروي أن عبد الله بن الكواء دخل على علي بعد قتال الجمل وسأله: هل عهد إليك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في هذا الأمر شيئا؟ فقال: نظرنا في أمرنا فإذا الصلاة عضد الإسلام فرضينا لدنيانا بما رضي الله ورسوله لديننا فولينا الأمر أبا بكر. وذلك أن النبي – صلى الله عليه وسلم – استخلف أبا بكر الصديق رضي الله عنه في إقامة الصلاة المفروضة أيام مرضه فكان يأتيه بلال وقت كل صلاة فيؤذنه بالصلاة، فيقول عليه الصلاة والسلام: «مروا أبا بكر فليصل بالناس»، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يتكلم في شأن أبي بكر رضي الله عنه في حال حياته بما يتبين للصحابة أنه أحق الناس بالخلافة بعده، وكذلك في حق عمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أن كل واحد منهم أحق بالأمر في عصره وزمانه. من ذلك ما روى ابن بطة بإسناده عن علي رضي الله عنه أنه قال: قيل: يا رسول الله من نؤمر بعدك؟ قال – صلى الله عليه وسلم -: “إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أمينا زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة، وإن تؤمروا عمر تجدوه قويا أمينا لا يخاف في الله لومة لائم، وإن تولوا عليا تجدوه هاديا مهديا” فلذلك أجمعوا على خلافة أبي بكر رضي الله عنه)