جهود أم المؤمنين (زينب بنت جحش) رضي الله عنها في العلم والدعوة
كانت أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها من خيرة نساء النبي ﷺ، تميزت بدينها وورعها، وبلغت منزلة رفيعة في العبادة والصدقة والدعوة إلى الله تعالى. نشأت في بيت شريف كريم؛ فهي ابنة عمة رسول الله ﷺ، أميمة بنت عبد المطلب، وأسلمت مبكرًا فكانت من السابقات إلى الإيمان. وقد اختصها الله بمنقبة عظيمة حين نزل فيها قوله تعالى:
﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ﴾ [الأحزاب: 37].
وكانت رضي الله عنها تفتخر بما خصها الله به من هذا الفضل فتقول: «زوَّجكن أهاليكن، وزوَّجني الله من فوق سبع سماوات»(1).
فجعلت من هذا القول تذكيرًا بنعمة الله وشهادة على صدق تسليمها لأمره، وهو مظهر من مظاهر الدعوة إلى الله بالاعتزاز بدينه والرضا بأحكامه.
وقد وصفها النبي ﷺ بأنها من أكثر نسائه صدقةً وإنفاقًا، فقال: «أسرعكن لحوقًا بي أطولكن يدًا»(2).
قالت عائشة رضي الله عنها: “فكنا إذا اجتمعنا في بيتٍ من بيوت النبي ﷺ نمد أيدينا نذرعها، فلم نزل كذلك حتى توفيت زينب، وكانت امرأة تعمل بيدها وتصدق في سبيل الله”؛ فكانت دعوتها بعملها، إذ جسّدت معنى الإيمان بالإنفاق والإحسان، حتى لُقبت بـ «أم المساكين» لكثرة عطائها وسخائها.
ومن أعظم مواقفها في الدعوة إلى الله ما كان في حادثة الإفك، حين سألها النبي ﷺ عن عائشة رضي الله عنها فقالت بصدق وورع:
«يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري، والله ما علمتُ إلا خيرًا»(3).
فأجابت جواب الصادقة المؤمنة التي تصون لسانها عن الباطل، فكانت بكلمتها هذه مثالًا في الدعوة إلى الله بالأخلاق الرفيعة، والابتعاد عن مواطن الفتنة والريبة. وقد قالت عائشة بعدها واصفة موقفها: «وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله ﷺ، فعصمها الله بالورع»(4).
فجمعت بين الحكمة في القول، والورع في الموقف، وهي من أنبل صور الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
عاشت زينب رضي الله عنها حياتها مثالًا للمرأة المؤمنة العاملة الصادقة، تدعو إلى الله بلسانها وسيرتها، وبكرمها وزهدها، وبعفافها وصبرها، حتى لحقت بالنبي ﷺ في حياته بعد وفاته بوقت يسير، فكانت أولى أمهاته لحوقًا به كما بشّرها بذلك. رحمها الله ورضي عنها، وجعلها قدوة للمؤمنات في الإيمان والدعوة والصدق(5).
الهوامش والمراجع
فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، ج 9، ص 298.
صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب فضائل زينب بنت جحش رضي الله عنها، رقم (2452).
صحيح البخاري، كتاب الشهادات، باب ما قيل في شهادة الزور، رقم (2661).
فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، ج 8، ص 4845.
سير أعلام النبلاء، الذهبي، ج 2، ص 207.