شبهات حول الصحابة (3) : غضب النبّي صلى الله عليه وسلم في عمرة الحديبية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن وآلاه، أما بعد:
الشبهة الثالثة حول الصحابة رضي الله عنهم: زعمهم أنهم أغضبوا النبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الحديبية
بعد أن عقد النبي صلى الله عليه وسلم صلح الحديبية مع قريش ورجع ولم يعتمر، أمر أصحابه أن يحلقوا وينحروا فلم يستجيبوا لأمره، فغضب لأجل ذلك. فقال بعض الناس: إن من يغضب النبي صلى الله عليه وسلم يستحيل أن يكون عدلا.
والجواب:
أولا: ذكر حال الصحابة يوم الحديبية:
يقول عروة بن مسعود لقريش: « أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي، والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا، والله إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون إليه النظر تعظيما له… »(صحيح البخاري)
فالأمر ليس معصية من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه كان لهم شوق لبيت الله الحرام، وتمنوا لو غير النبي صلى الله عليه وسلم رأيه أو أن ينزل الله تبارك وتعالى شيئا من الوحي يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل مكة، ولذلك تأخروا في تنفيذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يدل على هذا حكمة أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها وذلك لما رأت هذا الأمر قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: فاحلق أنت وانحر هديك.
فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فحلق ونحر هديه، وعند ذلك حلق و نحر جميع الصحابة دون أمر جديد، إذا الأمر لم يكن معصية، فبمجرد أن رأوا النبي صلى الله عليه وسلم حلق ونحر علموا أن الأمر قد انتهى وأنه لا مجال للرجوع، فحلقوا ونحروا واستجابوا لأمر الله تبارك وتعالى حتى أنزل الله تبارك وتعالى فيهم: [لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا] {الفتح: 18}.
وأنزل قوله تبارك وتعالى: [محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما] {الفتح: 29}.
فأنرل سورة الفتح كاملة بعد صلح الحديبية، وسماه فتحا وهو الفتح الحقيقي الذي فتح الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم.
ثم كذلك نقول: إن هذا الأمر لم يستدل به إلا الشيعة، فالنواصب والخوارج والمعتزلة لم يستدلوا بهذا الحديث.
فنقول للشيعة: أعلي كان معهم أم لا؟
بإجماع السنة والشيعة أن عليا رضي الله عنه كان معهم، بل هو الذي كتب كتاب الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وسهيل بن عمرو، وعلي كذلك لم ينحر ولم يحلق، فما كان ذما لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فهو ذم لعلي رضي الله عنه، ونحن نقول بعدم الذم لعلي ولا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وعلي كذلك هنا رفض أمر النبي صلى الله عليه وسلم بمحو اسمه فهل يذم على ذلك؟!