شبهات حول الصحابة (2): “من” التبعيضية في آية الفتح

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمن شبهات الطاعنين في الصحابة رضي الله عنهم، وهي الشبهة الثانية زعمهم أنّ الله تعالى لم يمدح جميع الصحابة
في قول الله تعالى: [محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما] {الفتح: 29}.
ظاهر هذه الآية مدح لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولكن قال الله سبحانه وتعالى في الآية التي ذكرناها قبل قليل: [هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب] {آل عمران: 7}.
فذهب الطاعنون في أصحاب النبي إلى آخر كلمات في هذه الآية الكريمة وهي قول الله تبارك وتعالى: [وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم]. فقالوا: [منهم] « من » هنا للتبعيض فالله وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم فبعضهم يدخل وبعضهم لا.
وهذا من التلبيس والكذب، بل إن بعضهم تجاوز هذا الأمر ونقل إجماع المفسرين على أن « من » هنا تبعيضية أي من بعضهم
وهذا كذب لأمور كثيرة، منها:
أولا: إن « من » هنا على قول علماء التفسير ليست للتبعيض. و إنما [منهم] تأتي على معنيين:
المعنى الأول: من جنسهم وأمثالهم كما قال الله تبارك وتعالى: [ذلك ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور] {الحج:30}. ولا يعني الله تبارك وتعالى أن نجتنب بعض الأوثان ونترك بعضها لا نجتنبها، بل المطلوب أن نجتنب جميع الأوثان، فقول الله فاجتنبوا الرجس من الأو ثان أي اجتنبوا الرجس من أمثال هذه الأوثان.
المعنى الثاني: أو تكون « من » هنا مؤكدة كما قال الله تبارك وتعالى: [وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا] {الإسراء: 82}. ليس معناها أن بعضه شفاء ورحمة، وبعضه الآخر ليس كذلك، أبدا، بل القرآن كله شفاء ورحمة. فـ [ من ] مؤكدة أي: أن القرآن كله شفاء ورحمة، فكذلك هذه الآية.
فقول الله تبارك وتعالى: [منهم] أي: من أمثالهم أو منهم للتأكيد عليهم رضي الله عنهم.
ثانيا: لننظر إلى سياق الآية، كلها مدح ليس فيها ذم لبعضهم بل مدح لكلهم، كما قال الله تبارك وتعالى: [أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا] فزكى الله ظاهرهم بالسجود والر كوع والذل له، وزكى باطنهم في قوله تبارك وتعالى: [يبتغون فضلا من الله ورضوانا] لا كما قال عن المنافقين: [إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا] {النساء: 142}.
انظر كيف وصف المنافقين لم يزك باطنهم بل كذبهم في باطنهم مع أن ظاهرهم أنهم يصلون مع المؤمنين، أما أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإن الله تبارك وتعالى قال: [يبتغون فضلا من الله ورضوانا]، والقول بأن « منهم » أي من جنسهم، أو للتأكيد على حالهم قول جمهور المفسرين بل كل المفسرين من أهل السنة فيما أعلم كالنسفي، وابن الجوزي، وابن الأنباري، والزمخشري، وا لزجاج، والعكبري، والنيسابوري، وابن كثير، والطبري، وغيرهم، كل هؤلاء لما تكلموا عن هذه الآية قالوا: إن « من » هنا مؤكدة أو مجنسة وليست تبعيضية كما يدعي بعضهم(وانظر « إعراب القرآن وصرفه وبيانه » لمحمود صافي ج ه 2/26 ص 272)
والحمد لله ربّ العالمين.