شبهات حول الصحابة (1) : الرد على شبهة حديث الحوض.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فمن شبهات الطاعنين في الصحابة رضي الله عنهم شبهة حديث الحوض،
قالوا: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يرد علي رجال أعرفهم ويعرفونني، فيذادون عن الحوض، فأقول: أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك »(صحيح البخاري).
وهذا الحديث له طرق كثيرة وروايات كثيرة:
منها: « إني على الحوض حتى أنظر من يرد علي منكم، وسيؤخذ أناس دوني، فأقول يارب مني ومن أمتي، فيقال: أما شعرت ما عملوا بعدك والله ما برحوا بعدك يرجعون على أعقابهم ».
قال ابن أبي مليكة أحد رواة الحديث: « اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا »(صحيح البخاري).
والرواية الثانية: « أنا فرطكم على الحوض(3)، ولأنازعن أقواما ثم لأغلبن عليهم فأقول: يا رب أصحابي أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك »(صحيح مسلم).
وتوجيه الرد على هذه الشبهة:
أولا: إن المراد بالأصحاب هنا هم المنافقون الذين كانوا يظهرون الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله تبارك وتعالى:
[إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون] {المنافقون: 1}.
وهم من المنافقين الذين لم يكن يعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم كما قال جل وعلا: [وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم] {التوبة: 10}.
فهؤلاء من المنافقين الذين كان يظن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم من أصحابه ولم يكونوا كذلك.
ثانيا: المراد بهم الذين ارتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد ارتد كثير من العرب بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، فأولئك الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
أصحابي فيقال له: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك إنهم لم يزالوا مرتدين على أدبارهم منذ فارقتهم.
ثالثا: المراد المعنى العام، أي: كل من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولو لم يتابعه، فلا يدخلون تحت المعنى الاصطلاحي لكلمة صحابي، ويدل على هذا أن رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول لما قال:
[لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل] {المنافقون: 8}.
نقل لعمر هذا الكلام فقال: يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعه، لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه(صحيح البخاري)
فجعله النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه، ولكن على المعنى اللغوي لا على المعنى الاصطلاحي؛ لأن عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين وكان ممن فضحه الله تبارك وتعالى وممن أظهر نفاقه جهرة.
رابعا: قد يراد بكلمة أصحابي كل من صحب النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الطريق ولو لم يره، ويدل على هذا رواية، « أمتي » أو « إنهم أمتي ».
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم: « أعرفهم »، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد بين أنه يعرف هذه الأمة، فقيل له: يا رسول الله كيف تعرفهم ولم ترهم؟ فيقول: إني أعرفهم من آثار الوضوء( صحيح مسلم )
ويؤكد هذا فهم ابن أبي مليكة راوي الحديث عندما قال: « اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا » وهو من التابعين.
وهذا الحديث لا يستدل به الخوارج ولا النواصب و لا المعتزلة، وإنما يستدل به الشيعة على ارتداد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
فيقال لهم: وما الذي يخرج عليا والحسن والحسين وغيرهم من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم؟ ما الذي يمنع أن يكونوا من الذين ارتدوا؟
ونحن لا نقول بردتهم، وحاشاهم، بل نحن نقول بإمامتهم، ونقول بأنهم من أهل الجنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن علي رضي الله عنه لما كانوا على حراء: اثبت حراء فإنما عليك نبي أو صديق أو شهيد(رواه مسلم)، وكان علي مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو من أهل الجنة.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال عن الحسن والحسين: « سيدا شباب أهل الجنة »(« سنن الترمذي »).
فإن قال الروافض: إن أبا بكر، وعمر، وأبا عبيدة، وغيرهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الذين يذادون عن الحوض؟!
فما الذي يمنع النواصب أن يقولوا: إن عليا أيضا ممن يذاد عن الحوض.
وإن قيل: ثبتت فضائل لعلي؟!
فسيقال: ثبتت فضائل أكثر منها لأبي بكر وعمر.